أطفال اليوم في ألمانيا يعانون ضغوط الحياة مثل الكبار – DW – 2010/1/25
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أطفال اليوم في ألمانيا يعانون ضغوط الحياة مثل الكبار

٢٥ يناير ٢٠١٠

كشفت دراسة حديثة أن ثلث الأطفال في ألمانيا يعانون من ضغوط كبيرة في حياتهم المدرسية، فيما حذر بعض المهتمين بأوضاع التلاميذ العرب في ألمانيا من استهانة الأسر العربية بهذه المشكلة في أوساط أبنائها.

https://p.dw.com/p/Lepn
أعراض الضغوط على اليافعين تأخذ أشكال متنوعةصورة من: DW-TV

يبدو أن المقولة المأثورة بأن فترة المدرسة هي الأفضل في حياة الإنسان، لم تعد دائما صامدة أمام متغيرات الزمن، فقد أظهرت دراسة حديثة في ألمانيا أن 40 في المائة من التلاميذ باتوا يتعرضون لضغوط كبيرة في حياتهم المدرسية، وأن أعراض مرضية نفسية وجسدية باتت تظهر بشكل متزايد على تلاميذ المدارس. وحول مدى انتشار أعراض هذه الضغوط في الحياة المدرسية على أوضاع التلاميذ العرب في المدارس الألمانية، تبدو الآراء متباينة لدى عدد من الخبراء والمهتمين بأوضاع التلاميذ العرب في ألمانيا، الذين استطلعت دويتشه فيله آراءهم.

الإناث أكثر معاناة من الذكور

Schüler in einer Klasse
كثافة الواجبات المدرسية وشعور الطفل بأعباء ضخمة تجعله أكثر عرضة للضغوطصورة من: Bilderbox

كشفت دراسة حديثة أجراها معهد علم النفس ومركز العلوم الصحية التطبيقية في جامعة لوفانا في لونبورغ الألمانية، أن ضغوط الحياة المدرسية تتسبب في ظهور أعراض مرضية مثل الصداع وآلام الظهر واضطرابات النوم على نحو ثلث تلاميذ المدارس من الأطفال والمراهقين. وقد شملت الدراسة 4500 تلميذ وتلميذة تتراوح أعمارهم ما بين 10 و 21 عاما في ثلاث من كبريات الولايات الألمانية. وأفادت نتائجها أن 40 في المائة من التلاميذ يعانون أكثر من مرة في الأسبوع من مشكلات صحية ونفسية.

ومن النتائج المثيرة للاهتمام في هذه الدراسة أن معاناة التلميذات من الصداع تزيد عن معاناة التلاميذ بمقدار أربعة أضعاف تقريبا كما أن هذه المعاناة تزيد مع تقدمهن في العمر على عكس التلاميذ الذكور.إذ تتضاعف معاناة التلميذات بعد تجاوزهن سن الخامسة عشر.

مقارنة بين الأطفال الألمان والعرب

Maria Böhmer präsentiert neue Motive für Integration
الحكومة الألمانية تبدي مزيدا من الإهتمام بمسألة إندماج أبناء المهاجرينصورة من: AP

وحول مدى انتشار أعراض ضغوط الحياة المدرسية في أوساط التلاميذ العرب في ألمانيا، يعتقد علاء بطرس وهو أستاذ للغة العربية في بون وخبير في مجال اندماج الأطفال، أنه من الصعب تحديد إحصاءات دقيقة في مجال الدراسات النفسية الأمر الذي يجعل صحة الاستنتاجات بهذا الصدد نسبية جدا. وأشار بطرس في هذا السياق إلى بعض العوامل التي تتحكم في نفسية الطفل العربي بهذا الصدد، مثل ظروف إقامته في ألمانيا وهل هو مولود فيها أم وافد وكم مضى على قدومه، والتكوين الأسري الذي يتلقاه، والدافع الشخصي لديه بإثبات نفسه في محيطه المدرسي.

ويرجح بعض المتهمين بشؤون أبناء المهاجرين العرب أن تكون نسبة انتشار الضغوط النفسية والصحية في حياة أبنائهم محدودة قياسا لزملائهم الألمان، وهو رأي عميد سمعان وهو خبير في شركة أدوية، ويقول أنه توصل لهذا الاستنتاج من خلال متابعته لأوضاع التلاميذ العرب في مدارس بون عبر مشاركته في هيئة أولياء التلاميذ بالمدارس التي يزاول فيها أبناؤه دراستهم. ويعلل سمعان رأيه بأن الدور الأساسي الذي تقوم به الأسرة العربية واحتضانها القوي لأبنائها تخفف من معاناته وتساعده على تخطي الصعوبات، مقارنة بالطفل الألماني الذي لا يحظى بنفس الاهتمام الأسري الأمر الذي يجعله يواجه مشكلاته بنفسه. وهو استنتاج يخالفه نور الدين بن رجب وهو منتج برامج ثقافية في مؤسسة "بيت ثقافات العالم " الألمانية وراديو "مولتي كولتي"Multikulti في برلين، الذي يستبعد وجود فوارق كبيرة بين أوضاع التلاميذ العرب وزملائهم الألمان. وهو يعتقد أن حجم الضغوط النفسية ربما يكون مضاعفا بالنسبة لأبناء المهاجرين العرب بسبب ازدواجية مصادر الثقافة والتربية التي يتلقاها الطفل العربي في المدرسة والبيت والشارع. وقال بن رجب أنه من خلال تجربته في متابعة أوضاع التلاميذ العرب في برلين ، فإن إحساس الطفل العربي بانتمائه المختلف يجعله يشعر بضرورة مضاعفة أدائه واجتهاده في المدرسة كي يؤمن مستقبله الدراسي والمهني، الأمر الذي يجعله تحت وطأة ضغوط إضافية قياسا لزملائه الألمان.

ولا تنطلق هذه الاستنتاجات من فراغ، فقد كانت دراسة "البرنامج الدولي لتقييم الطلبة" (بيزا) قد حذرت من الفوارق الكبيرة بين الأطفال الألمان وزملائهم من ذوي الأصول الأجنبية. ومن جهتها أشارت إحصاءات رسمية نشرتها الحكومة الألمانية في العام الماضي ضمن تقرير سنوي حول أوضاع الأجانب في ألمانيا، بأن نسبة 18 في المائة من تلاميذ المدارس ذوي الأصول الأجنبية ينهون دراستهم دون الحصول على شهادة، وأن تلميذا واحدا من أصل اثني عشر (من ذوي أصول أجنبية) يتمكن من إنهاء دراسته الثانوية.

الضغوط تولد العنف

وبرأي علاء بطرس فإن هوية الطفل الثقافية وقصته الشخصية أي ظروف نشأته ونموه، عاملان يساهمان سلبا أو إيجابا في تقدير طبيعة وحجم المشكلات الصحية والنفسية التي يعاني منها بسبب الضغوط المدرسية. وأشار بطرس بأن أعراض الضغوط على الطفل العربي في يمكن أن تأخذ أشكال مشابهة لحالات زملائه الألمان ومن بين الأعراض المعروفة لدى المتخصصين قلة النوم والصداع وأوجاع الظهر. وأشار بطرس إلى أن أعراض أخرى في أوساط أبناء المهاجرين مثل ظاهرة الميل للعنف التي يلجأ لها الأطفال كوسيلة للتنفيس عن بعض الضغوط التي يعانون منها، مشيرا إلى انتشار مظاهر عنف اليافعين في الأحياء التي يسكنها مهاجرون في ألمانيا. وشهدت ألمانيا في الأعوام القليلة الماضية جدلا واسعا حول مدى انتشار ظاهرة العنف في أوساط أبناء المهاجرين، وتذهب بعض الإحصاءات للحديث عن ارتفاع نسبة جنايات العنف التي يرتكبها الشبان اليافعون من أصول أجنبية.

الاعتراف بالداء أول خطوة لعلاجه

Deutschland Drachenbootfest in Schwerin
تنويع فرص الترفيه على الأطفال يساهم في تخفيف من ضغوط حياتهم المدرسيةصورة من: picture-alliance/ ZB

وحول سبل مواجهة ظاهرة الضغوط المتنامية التي يعاني منها تلاميذ المدارس، تتنوع نصائح الخبراء، ولكنها تتفق حول المسؤولية المشتركة بين المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام والتربية. وحسب دراسة جامعة لوفانا فإن التلاميذ الذين يستطيعون التعامل مع ضغوط اليوم الدراسي وتجنب مشكلاته هم أقل عرضة للإصابة بآلام المعدة والظهر والرأس. وبرأي كورنيليوس اربه، المشرف على الدراسة فإن "صحة الكثير من الفتيات والفتيان تتأثر بشدة من الضغوط المدرسية"، وقال كورنيليوس لمجلة "فوكس" الألمانية في عددها الأخير، إن "من الممكن تولد مشاعر سلبية ومشكلات نفسية ما لم يتم التعامل مع هذه الضغوط بالشكل الصحيح". وتنصح زيلكه ريبريشت، الخبيرة التربوية في جامعة لوفانا، الأساتذة والأسر بضرورة الإلمام بطبيعة المشكلات التي تواجه الطفل، كخطوة أولى لمساعدته على تجاوزها. وأمام تنامي المشاكل التي يعاني منها الأطفال باتت المدارس الألمانية تعتمد مزيدا من البرامج الترفيهية والرحلات للتخفيف من معاناتهم.

وبالنسبة لحالات الأطفال العرب يرى نور الدين بن رجب أن بداية الحل تكمن في الاعتراف بوجود مشاكل نفسية لدى الطفل والاعتراف بها كمرض يمكن علاجه أو الوقاية منه، مشيرا بأن الأسرة العربية تميل في غالب الأحيان إلى التكتم على هذا النوع من المشاكل وترى فيها أمرا سلبيا أو "شاذا".من جهته حذر علاء بطرس من الاستهانة بمخاطر المشكلات النفسية التي يمكن أن يواجهها الطفل العربي لكنه دعا في نفس الوقت إلى تفادي تعميم الاستنتاجات ملاحظا أن تشخيص الحالة النفسية للطفل وطبيعة المشكلات التي يواجهها تقتضي متابعة لحالته الخاصة لأن "لكل طفل قصته الشخصية" حسب رأيه.

الكاتب: منصف السليمي

مراجعة: طارق أنكاي