أول لقاء قمة عربي ـ أمريكي لاتيني يبدأ أعماله في برازيليا

تأمل النخب السياسية التي تمثل الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية في أول لقاء قمة من هذا النوع في أن يصبح هذا اللقاء نقطة انطلاق جدية للعلاقات الاقتصادية والسياسية (الثنائية) بين المنطقتين من أجل تعزيز مصالحهما المشتركة وفتح آفاقا جديدة للتعاون بينهما. فعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين الكثير من الدول العربية ودول قارة أمريكا الجنوبية، إلا أنها عانت من عجز تنظيمي كبير أدى إلى التقليل من قدرتها على النمو. وفي افتتاح اجتماع وزراء الخارجية تمهيداً لقمة اليوم دعا وزير الخارجية البرازيلي سيكسو اموريم إلى "تحالف بين الحضارات"، وأعرب عن اعتقاده "بأنها بداية لحظة تاريخية للبرهنة للعالم انه عبر الحوار والتفاهم يمكننا التقدم باتجاه عالم أكثر سلاما وديموقراطية وعدالة".

تحفظات أمريكية ومخاوف إسرائيلية

تخشى الدولة العبرية أن تتحول القمة بين 34 دولة من دول أميركا الجنوبية وبين الدول العربية إلى "منتدى كبير معاد لها" إذ ينتقد مشروع البيان الختامي إسرائيل ويعرب عن الدعم للفلسطينيين. وبدأت المخاوف الإسرائيلية في العام الماضي الذي فتحت فيه البرازيل ممثلية دبلوماسية لها في رام الله بالضفة الغربية. كما خصصت البرازيل في أيار/مايو 2004 منصب سفير متجول للشرق الأوسط لكي يعكس "اهتمام البرازيل في المساهمة بشكل فاعل في الجهود الدبلوماسية المتعلقة بعملية السلام العربية الإسرائيلية"، وفق ما جاء في البيان الرسمي بهذا الخصوص في حينه. ويجدر بالذكر أن البرازيل انتقدت بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وخصوصا في غزة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.

التحفظات الأمريكية تعود بالدرجة الأولى إلى قلقها من إمكانية تكون كتلة جديدة يمكن أن تهدد منظومة العلاقات الدولية الحالية التي تهيمن عليها. وعلاوة على ذلك يحتوي مشروع بيان ختامي للقمة على فقرات تساند حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وتدين الإرهاب، ولكنها تدعو أيضاً إلى عقد مؤتمر دولي لتعريف معناه. وتعتقد واشنطن وتل أبيب أن هذا قد يعطي نوعاً من الدعم لجماعات معادية لها ولإسرائيل مثل حزب الله.

تنشيط الاستثمارات العربية في البرازيل

وفور انتهاء هذه القمة الأولى من نوعها بين الدول العربية وبلدان أميركا الجنوبية من المقرر أن يشارك رجال أعمال عرب في معرض تجاري وصناعي كبير مدينة في ساو باولو، عاصمة البرازيل الصناعية والتجارية. ويشير هؤلاء إلى توفر مناخ للأعمال اقل "توتراً" من المناخ العام السائد في الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية. وستشارك 800 شركة من بينها 200 شركة عربية هذا الأسبوع في هذا المعرض الذي يقام في 12 و13 أيار/مايو.

وفي السياق نفسه يؤكد انطونيو سركيس رئيس غرفة التجارة العربية البرازيلية على أن "العرب يزدادون اقتناعا بان البرازيل مورد ممتاز وأن هذا البلد يمكن أن يكون مركز استقطاب للاستثمارات"، موضحاً أن "المنتجات التي تصدرها البرازيل في كل القطاعات تتميز بجودة عالية للغاية". ويشاركه شوقي ناصر، وهو رجل أعمال فلسطيني متخصص في بيع معدات البناء البرازيلية إلى الشرق الأوسط الرأي وويؤكد على أن "نوعية المادة الخام هنا ممتازة والأيدي العاملة المنضبطة اقل كلفة بكثير منها في أوروبا".

توافق في الذهنية

تمثل طبيعة العلاقات الإنسانية عاملاً محوريا في عملية الاستثمار والتبادل التجاري، فلا شك أن الدفء الإنساني يساهم في نجاح الأعمال بين العرب والبرازيليين، لأنهم يفضلون خلق مناخ من الحوار والعلاقات الإنسانية قبل البدء في تناول الأعمال التجارية. كما أثرت أحداث 11 سبتمبر 2001 سلبياً على العلاقات بين العرب من جهة، والاميركيين والأوروبيين من جهة أخرى وهو ما انعكس بصورة ملموسة على النشاطات الاقتصادية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن 12 مليون مواطن من اصل عربي يقيمون في البرازيل كما استوعبت الثقافة البرازيلية الكثير من عناصر الثقافة التي جلبها المهاجرون العرب والذين بدأوا التوافد إلى البرازيل في نهاية القرن التاسع عشر.

وشهدت حركة التبادل التجاري بين البرازيل والدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية نمواً كبيراً قد يصل إلى التضاعف منذ الجولة التي قام بها الرئيس البرازيلي لويس اناسيو لولا دا سيلفا في خمس دول عربية في كانون الأول/ديسمبر 2000. ويبدو أن هذا النمو سيستمر في العام 2005 الذي شهد خلال الربع الأول منه زيادة بنسبة 18% في هذه المبادلات مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي. وتصدر البرازيل إلى الدول العربية سلعاً زراعية غذائية، إضافة إلي طائرات ومعدات صناعية وقطع غيار سيارات، فيما يشكل النفط 75% من وارداتها من العالم العربي، وفقاً لمعلومات غرفة التجارة العربية البرازيلية.

البرازيل كوسيط فاعل في عملية السلام

وفيما يتعلق بالنزاع العربي-الإسرائيلي فقد كرر الرئيس البرازيلي استعداد البرازيل "لدعم كافة الجهود الرامية لإقامة دولتين حرتين وآمنتين وقابلتين اقتصادياً للحياة". وأضاف أن بلاده "تدعم عملية السلام ومستعدة للتعاون، على سبيل المثال مع السلطة الفلسطينية في عدد من المشاريع التنموية. كما أنه وصف لقاء القمة بأنه "فضاء واسع للمناقشة بين عالمين: العربي والاميركي الجنوبي اللذين يشهدان تطورات مهمة في مجالات الثقافة والاقتصاد والتجارة".

لؤي المدهون