التعذيب شبح الماضي بزي عصري – DW – 2006/6/26
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التعذيب شبح الماضي بزي عصري

دويتشه فيله (هـ. ع.)٢٦ يونيو ٢٠٠٦

بين العدالة الغائبة والأنظمة الجائرة والحرب على الإرهاب أصبح التعذيب يكتسي نوعا من الشرعية. بروتوكول مناهضة التعذيب الصادر عن الأمم المتحدة يدخل حيّز التنفيذ. هذه الظاهرة مازالت سياسة روتينية في كثير من البلدان العربية

https://p.dw.com/p/8g7Q
ظاهرة التعذيب مازالت مستشرية رغم مناشدات منظمات حقوق الإنسانصورة من: AP

تشكل قضايا حقوق الإنسان والتعذيب خطاً فاصلاً بين مساحات متباعدة، بين العدل والظلم، بين الحاضر والماضي وبين الديمقراطية والديكتاتورية. ولذا ليس مستغربا أن نرى بأن التعذيب أصبح مظلة واسعة في عصرنا الحاضر، إذ غدا وكأنّه فن من الفنون، أبدعت فيه شياطين الأنس بابتكار اشد أنواع وسائل التعذيب التي جردت الإنسان من إنسانيتة. فإلى جانب الإبادة والقتل الجماعي والتهجير ومصادرة الممتلكات، تقام السجون والمعتقلات الجماعية التي تمارس فيها أشد أساليب التعذيب المتقنة والمدروسة بعيدة كل البعد عن الشفقة والرحمة والتي تستمد جذورها من عقلية ترى انّه لا حقوق للإنسان ما دام يعارض النظام القائم أو يدافع عن فكرة أيدلوجية. فألوان طيف التعذيب متنوعة ما بين التعذيب بالصدمة الكهربائية والتعذيب الجسدي والحرمان من النوم والأكل والحبس الانفرادي ومنع التواصل مع الآخرين. ويندرج تحت هذا الإطار أيضا سن قوانين تحت مظلة "قوانين الطوارئ" تجيز اعتقال أي مشبوه دون مذكرة توقيف ودون محاكمة.

البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب

UN - Kommission für Menschenrechte
سريان تنفيذ البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيبصورة من: AP

بموجب هذا البروتوكول تلتزم الدول بتقديم معلومات عن أوضاع السجناء وظروف معاملتهم في السجون وأماكن الاعتقال المختلفة، بالإضافة إلى السماح بإجراء مقابلات خاصة مع المعتقلين. وبناء على هذا البروتوكول يتوجب على السلطات المحلية السماح بالمراقبة الدولية والوطنية على نحو فعال من خلال إنشاء جهات مستقلة تسند إليها مهام القيام بزيارات لكافة مراكز الاعتقال في الدول. وتتعهد الحكومات أن توجد آلية متابعة ومراقبة لآليات الاستجواب والاعتقال. وبموجب ذلك أيضا يمكن أن تقوم فرق خاصة تابعة للأمم المتحدة بزيارات مفاجئة للأماكن التي يعتقد أنّه تمارس فيها أشكال التعذيب كمراكز الشرطة او السجون. ويشار هنا إلى أن هذا البروتوكول دخل حيز التنفيذ في 22 يونيو/حزيران 2006

وتعود هذه الاتفاقية إلى طلب تقدمت به كوستاريكا في الثمانينيات، لكنه ظل طي النسيان حتى تمّ أخبرا الالتفات إليه وإعادة إحيائه من جديد. وعن أهمية هذه المذكرة، أشار هاينر بيل فيلدت مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان في برلين إلى أنها تشكل نقطة انطلاق مهمة في الجهود الدولية في التخلص من صور التعذيب السوداء التي تشكل عارا على جبين الإنسانية. وعن آلية المتابعة، قال فيلدت: " سيكون هناك نوع من المتابعة والإشراف الدولي ولكن التنفيذ سيكون على مستوى الدولة". ويشار هنا إلى أنه بالإضافة إلى كوستاريكا كانت بوليفيا وهندوراس والدنمارك وانجلترا من أوائل الدول العشرين التي صادقت على هذه المذكرة. أما عن ألمانيا، فيقول فيلدت :" لم تتمكن حتى الآن المانيا من أن تكون من بين الدول العشرين التي صادقت على هذه المذكرة، ولكننا متأكدون من أنّه في غضون الأشهر القادمة سيتم ذلك "

"الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول غيّر قواعد اللعبة"

منذ الهجمات الارهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 أخذت أمريكا تسعى إلى إعادة تعريف مفهوم التعذيب .وما رافق هذا التحول في المفاهيم الديموقراطية من إساءة لمعاملة السجناء في العراق وجوانتانامو يؤكد بأنّ هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي سنت تحت مظلة "الحرب على الإرهاب" من انتهاك للحقوق الفردية وحتى تشريع التعذيب "الرحيم". وكان من نتاج ممارسات التعذيب مثلا في السجون العراقية أن تفجرت ثورة غضب عارمة ضد ممارسات الجيش الأمريكي في كل انحاء العالم، الامر الذي أدى الى نفور بعض الحلفاء من واشنطن. كما أن التقارير عن سجون سرية تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أوروبا تضاف أيضا إلى هذا المفهوم الجديد للتعذيب حسب مواصفات بعض الديموقراطيات الكبرى. إنّ انعكاس هذا الأمر على العالم العربي كبير خصوصا وأنّه يصدر من دولة ديمقراطية ترى في المنظومة السياسية العربية صحراء قاحلة من المفاهيم الديمقراطية.

Gefolterter Iraker Tag der Menschenrechte Folter
التعذيب الجسدي أبرز اأشكال التعذيبصورة من: dpa
CIA-Flüge in Europa
تقارير عن رحلات لطائرات وكالة الاستخبارات المركزية أقلت معتقلين لتعذيبهم في بلدان مختلفةصورة من: dpa

وفي هذا السياق، سيبقى المواطنون العرب الذين عايشوا بأجسادهم كل إشكال وصور التعذيب في زنازين التحقيق ومعسكرات الاعتقال، شواهد حية على "كذب" ديمقراطية هذه الدول، كما يعتقد الكثير منهم، ما لم تعود فعلا هذه الدول إلى حديقة الديمقراطية التي تتغنى بقيمها. وفي هذا السياق، قال مانفريد نواك مقرر الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعذيب: "إننا نعيش في ظروف جديدة. و11 سبتمبر غيّر قواعد اللعبة وهذا هو السبب في انه علينا أن نعيد النظر في التحريم المطلق للتعذيب".

وفي ضوء تلك التحولات في المفاهيم، فإنّ العولمة التي استخدمت مفهوم حقوق الإنسان كسلاح في السياسات الخارجية وذلك لتحقيق أهداف استراتيجية أو اقتصادية، تجد أن الدول الغربية وأميركا خاصة تحترم حقوق الإنسان العالمية وتتمسك بها إذا كان الأمر مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمصالحها.ولهذا فإنّ الالتباس بين العالمية والعولمة دفع بحقوق الإنسان نحو التراجع وسلب المجتمعات حقوقها المدنية.

العالم العربي والتعذيب

Neue Folterbilder aus Abu Ghureib in Bagdad
فضيحة أبو غريب شوهت صورة الولايات المتحدة الأمريكيةصورة من: AP

على الرغم من كل محاولات جمعيات حقوق الإنسان فإنّ الوضع في العالم العربي لا يبعث في كثير من الأحيان على الأمل، إذ إنّ التعذيب بكافة أشكاله مازال يشكل مفردة مهمة في قاموس الأنظمة وأدواتها، على اعتبار أنّ احترام حقوق الإنسان عند كثير منها ليس عنصرا في الأجندة الوطنية والإقليمية والخلفيات التاريخية والثقافية لتلك النظم. ولذا فإنّه من المؤسف أن ترى الدول العربية على رأس قائمة الدول التي تنتهك المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد نحو 58 عاماً على إصداره. ففي تقرير صدر عن منظمة "Human Rights Watch" في عام 2005 أوضح بأن الدول العربية مازالت تمارس التعذيب في سجونها ومراكز الاستجواب. فحسب التقرير، فإنّه لا تكاد دولة عربية تتمتع بسجل نظيف خال من ممارسات التعذيب ضد السجناء والمحتجزين. ومن الأمثلة التي ضربها على تردي الحالة في العالم العربي هو أن التعذيب أصبح سياسة روتينية تمارس في مصر خلال عمليات الاستجواب. ويشير التقرير إلى وفاة 132 سجينا تعرضوا للتعذيب خلال الفترة ما بين يناير 1993 ويوليو 2005.

وبفعل ما يمارس بحق المجتمعات العربية من مصادرة لحرية التفكير وحرية الرأي والتعبير وحرية تنظيم التجمعات السلمية أن تحولت هذه المجتمعات إلى ما يشبه السجون الجماعية. ويمكن القول، إنّ لغة الاتهام الأخلاقي مازالت تلاحق الأنظمة العربية، وأنّ الدعوة الآن قائمة على إعادة تعريف الإنسان وتجاوز المعنى البيولوجي له وذلك بالعمل على خلق سياسات تحترم حقوق الانسان تكون قابلة للتطبيق والديمومة.



تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد