بعد انسحابها من أفغانستان- هل تركز أمريكا على جنوب شرق آسيا؟ – DW – 2021/9/2
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بعد انسحابها من أفغانستان- هل تركز أمريكا على جنوب شرق آسيا؟

٢ سبتمبر ٢٠٢١

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تراقب حكومات دول جنوب شرق آسيا ما إذا كانت منطقتهم ستمثل الآن أولوية في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن ترتيب أهداف سياستها الخارجية.

https://p.dw.com/p/3zlpY
الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو متحدثا خلال قمة الآسيان بخصوص ميانمار، في جاركاتا بإندونيسيا (24/4/2021)
غالبًا ما تجد دول جنوب شرق آسيا نفسها مضطرة إلى الاختيار بين الصين والولايات المتحدة.صورة من: Laily Rachev/Indonesian Presidential Palace/REUTERS

أثار الانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان انتقادات كبيرة وفي بعض الأحيان توبيخا لاذعا حيال السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه أثار أيضا الكثير من الشكوك إزاء نوايا واشنطن لاستعادة زعامتها في المستقبل.

وفي منطقة جنوب شرق آسيا، عمدت الولايات المتحدة على طمأنة حلفائها وأيضا تعزيز التحالفات في هذه المنطقة الهامة في مواجهة الصين.

وكانت أبرز تلك الخطوات جولة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في منطقة جنوب شرق آسيا التي امتدت لأسبوع زارت خلالها سنغافورة وفيتنام، حيث حملت رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة تجاه منطقة جنوب شرق آسيا.

ورغم ذلك، فإن جولة هاريس تزامنت مع تعرض الولايات المتحدة لأكبر كارثة تتعلق بسياستها الخارجية منذ عقود، وفقا للمراقبين.

فعلى وقع قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، اضطرت العديد من دول جنوب شرق آسيا إلى إجلاء رعاياها بشكل سريع من أفغانستان وسط مخاوف من أنّ تصاعد التطرف في أفغانستان قد يزيد من خطر الهجمات الإرهابية في منطقة جنوب شرق آسيا.

الالتزام الأمريكي تحت المجهر

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع هاريس، في الثالث والعشرين من أغسطس / آب المنصرم، أكد رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ على أن "الخطوات التي ستقوم بها واشنطن في المستقبل، هي التي ستؤثر على التصورات حيال الولايات المتحدة وعزمها والتزامها في المنطقة".

يشار إلى أنه منذ نهاية حرب فيتنام، تعرض اهتمام واشنطن بمنطقة جنوب شرق آسيا لنوع من "الإهمال" تم تصنيفه داخل دوائر السياسة الخارجية بكونه "إهمالا محمودا".

كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي في قاعدة أندرو خلال انطلاقها في أولى جوالتها إلى منطقة الآسيان (20/8/2021)
قامت كامالا هاريس بجولة في منطقة جنوب شرق آسيا للتأكيد على التزام واشنطن تجاه المنطقة عقب الانسحاب من أفغانستان.صورة من: Evelyn Hockstein/Reuters/AP/picture alliance

بيد أنه مع تنامي القوة الاقتصادية لدول منطقة جنوب شرق آسيا بالتزامن مع تنامي قوة الصين التي أصبحت تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في هذه المنطقة، عادت منطقة جنوب شرق آسيا إلى بؤرة اهتمام السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وما يؤكد ذلك هو ما عرف بسياسة "المحور الآسيوي" خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بداية من عام 2011.

لكن الآن، ومع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، يساور حلفاء واشنطن في منطقة جنوب شرق آسيا الكثير من القلق، وفقا لما أشارت إليه بوني جلاسر -  مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة.

وأضافت "يساور دول جنوب شرق آسيا دائما بعض القلق حيال بقاء نفوذ الولايات المتحدة قويا في المنطقة، لكنني لا أعتقد أن أفغانستان سوف تزيد من مستوى هذا القلق كثيرا".

يشار إلى أن الولايات المتحدة تعد شريكا اقتصاديا وأمنيا رئيسيا لمعظم دول منطقة جنوب شرق آسيا إذ أبرمت معاهدات تحالف مع تايلاند والفلبين فضلا عن تعاون عسكري كبير مع سنغافورة وفيتنام، التي أضحت واحدة من أهم الشركاء الأساسيين لأمريكا في آسيا.

كذلك، انحازت الولايات المتحدة إلى جانب فيتنام وماليزيا وأندونيسيا ضد الصين في النزاع حول منطقة بحر الصين الجنوبي.

بيد أن انسحاب واشنطن من أفغانستان بشكل سريع، أثار شكوكا لدى بعض بلدان منطقة جنوب شرق آسيا عما إذا كانت واشنطن ستهرع لنجدتهم والدفاع عنهم إذا اندلعت مواجهات عنيفة مع الصين.

منطقة جنوب شرق آسيا ليست أفغانستان

لكن اللافت للأنظار في هذا الأمر هو أن حكومات بلدان منطقة جنوب شرق آسيا تدرك أن المصالح الأمريكية في هذه المنطقة تختلف كثيرا عن مصالح واشنطن في أي منطقة أخرى من العالم.

ففي الوقت الذي كان فيه التدخل الأمريكي في دول مثل أفغانستان يأتي في إطار محاربة الإرهاب وبناء دول ضعيفة، فإن الأمر يختلف كثيرا في منطقة جنوب شرق آسيا،  إذ إن المصالح الأمريكية هنا تتعلق بتعزيز التعاون الوثيق مع دول مستقرة.

وفيما يتعلق بأفغانستان، فقد كان منوطا بالولايات المتحدة مهمة توفير الأمن لهذا البلد، الذي مزقته الحروب فضلا عن تقديم الدعم المالي لدولة فقيرة وضعيفة.

بيد أن منطقة جنوب شرق آسيا لا تحمل أي أوجه مقارنة مع أفغانستان إذ إن اقتصاديات منطقة جنوب شرق آسيا تعد من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم وهو ما يمثل استفادة للشركات الأمريكية؛ ما جعل دول جنوب شرق آسيا رابع أكبر شريك تجاري لأمريكا، وفقا للتقديرات الرسمية الأمريكية.

هل سيحظى جنوب شرق آسيا الآن باهتمام أمريكي أكبر؟

وعلى وقع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يراقب الخبراء في منطقة جنوب شرق آسيا ما إذا كان هذا الانسحاب سيحمل في طياته انخراطا أمريكيا أكبر في مناطق رئيسية أخرى من العالم.

وفي ذلك قال تشونغ جا إيان، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سنغافورة الوطنية، إن إدارة بايدن أكدت منذ توليها زمام الأمور في الولايات المتحدة "على أنها تنوي إعادة تقييم (السياسة الخارجية) من جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وحتى منطقة المحيطين الهادئ والهندى".

وفي مقابلة مع DW، قال إن "الانسحاب من أفغانستان كان جزءا من هذه الخطة، إلا أنه تم تنفيذه بشكل سيئ للغاية".

وأضاف أن ما يهم معظم حكومات منطقة جنوب شرق آسيا هو معرفة كيف ستكون وتيرة تحرك الولايات المتحدة للتأكيد على أن تعاونها مع دول منطقة المحيطين الهادي والهندي لا يزال في قلب السياسة الخارجية الأمريكية.

وبهذا الخصوص، تساءل تشونغ جا إيان قائلا: "هل سيمهد الانسحاب من أفغانستان الطريق أمام إعادة تقييم الوجود الأمريكي في منطقة جنوب شرق آسيا ليصبح أكثر فعالية وقوة خاصة أن هذا (الانسحاب) قد يساعد واشنطن على الحفاظ على وجودها وتعزيز خياراتها فضلا عن كبح جماح (النفوذ الصيني) في هذه المنطقة؟"

خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انتاب العديد من حكومات جنوب شرق آسيا بعض الشعور بالارتباك إذ رأت أن ترامب تجاهل المنطقة؛ خاصة عقب رفضه إيفاد مسؤول أمريكي كبير إلى قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة بـ "آسيان" في عام 2019.

هل باتت الحرب بين الصين والولايات المتحدة وشيكة؟

في الشهور الأولى لإدارة بايدن، كانت هناك شكاوى من أن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بمنطقة جنوب شرق آسيا؛ وربما كان هذا هو السبب وراء جولة هاريس الأخيرة.

وقد برز هذا الأمر جليا خلال الجولة التي كانت ترمي إلى "البناء على رسالة إدارة بايدن-هاريس للعالم بأن أمريكا عادت إلى الطاولة،" وفقا لبيان صدر عن مكتب هاريس قبل بدء جولتها.

وأضاف البيان "شراكاتنا في سنغافورة وفي منطقة جنوب شرق آسيا وفي منطقة المحيطين الهندي والهادي تحتل أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة".

وقبل جولتها، زار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن سنغافورة وفيتنام والفلبين في يوليو / تموز الماضي، فيما زارت نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان إندونيسيا وتايلاند وكمبوديا، وشارك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخرا في اجتماعات وزارية لدول الآسيان.

وفي هذا السياق، قالت يو صن - مديرة برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز "ستيمسون” في واشنطن- إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان "يثير بالتاكيد الشكوك حيال التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة".

وفي مقابلة مع DW، قالت "لكن بشكل عام فإن دول منطقة جنوب شرق آسيا لديها اقتناع ضمني بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على مغادرة منطقة جنوب شرق آسيا"، كما فعلت في أفغانستان.

بناء تحالفات أمريكية ضد الصين

وأمام هذه التوقعات والتكهنات حيال مآلات السياسة الأمريكية في منطقة جنوب شرق آسيا، هناك حقيقة مفادها أن هذه المنطقة تحتل أهمية خاصة للولايات المتحدة في إطار تنافسها مع الصين.

وشددت يو صن على هذا الأمر بقولها "من وجهة النظر الأمريكية فإنه من غير الواقعي الخروج من منطقة جنوب شرق آسيا خاصة وأن الولايات المتحدة يربطها بدول هذه المنطقة روابط جغرافية واقتصادية وتاريخية واجتماعية لكنها هذه الروابط قد ضعفت بعض الشيء بسبب دخول الصين في التنافس مع واشنطن لكسب ود دول منطقة جنوب شرق آسيا".

وأضافت "انطلاقا من هذا السياق، فإن منطقة جنوب شرق آسيا دخلت على خط المواجهة بين الولايات المتحدة والصين".

بيد أن هذا التنافس الكبير بين الولايات المتحدة والصين يثير قلق بلدان منطقة جنوب شرق آسيا إذ لا ترغب العديد منها في الانحياز بشكل مباشر سواء لواشنطن أو لبكين خاصة وأنها لا تزال حبيسة نزاعات إقليمية مع الصين حيال مناطق السيادة في بحر الصين الجنوبي واستغلال موارد نهر الميكونغ.

وفي ذلك، قالت صن إن بلدان جنوب شرق آسيا "ترغب في يكون التنافس الأمريكي-الصيني محله جذب الانتباه، لكنها مستاءة من محاولات دفعها إلى الاختيار بين الاصطفاف مع الولايات المتحدة أو الصين".

وأضافت أن بعض بلدان منطقة جنوب شرق آسيا باتت قلقة إزاء أن يكون "اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز التعاون معها مرجعه فقط الصين". وأكدت أن النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة قد "يتضاءل إذا أقدمت الولايات المتحدة على تغيير توجهها الحالي بشأن الصين باعتبارها منافسا رئيسيا لواشنطن".

ديفيد هت / م ع