ثورة بيضاء ـ دور الإعلام في سقوط جدار برلين – DW – 2014/9/30
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثورة بيضاء ـ دور الإعلام في سقوط جدار برلين

مارليس شاوم/ إعداد: سمر كرم٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

كانت وسائل الإعلام في شرق ألمانيا تخضع لرقابة وتوجيه الحكومة، وكان ينظر إلى الصحفيين من الغرب على أنهم يشكلون تهديدا للنظام الاشتراكي، وكان ذلك صحيحا إلى حد ما! فكيف ساهم الإعلام في غرب وشرق ألمانيا في سقوط جدار برلين؟

https://p.dw.com/p/Gkmh
Symbolbild Fotograf Schatten
صورة من: Fotolia/Jonathan Stutz

كانت في الحقيقة قصة جميلة، حين وقفت إحدى العائلات من ولاية هيسن في منتصف ثمانينيات القرن الماضي على حدود جمهورية ألمانيا الديمقراطية، راغبة في دخولها. فسألها حراس الحدود غير مصدق: "هل أنتم عاطلون عن العمل؟" وكانت العائلة تريد العيش في البلد الشيوعي لتفتح حانة هناك. وحينها كتب مراسل مجلة "دير شبيجل" السابق في ألمانيا الشرقية، أولريش شفارتس، عن هذه العائلة. لكن بعد وقت قصير تم استدعاؤه إلى وزارة الخارجية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

يقول شفارتس ضاحكاً: "أخبروني أن ليس لدي الموافقة الضرورية للذهاب إلى هناك. فقلت لهم إذاً حذروني من ذلك، وسنصدر في المجلة بياناً نقول فيه أن مراسلنا تلقى تحذيراً، لأنه كتب قصة إيجابية عن جمهورية ألمانيا الديمقراطية! فتركوا الأمر!". كانت علاقة مجلة "دير شبيجل" بالبلد الشيوعي متوترة للغاية، فقد منعت المجلة السياسية من دخول جمهورية ألمانيا الديمقراطية، كما أغلق الحزب الحاكم هناك، حزب الوحدة الاشتراكي الألماني، مكاتب المجلة في برلين الشرقية للفترة من 1976 حتى 1985، بعد قيام المجلة بنشر مقالة نقدية صادرة عن مجموعة من المعارضين بين صفوف الحزب.

العمل الصحفي في "ارض العدو"

يقول شفارتس: "إن جمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت بمثابة محارة بالنسبة للصحفيين". ويضيف الصحفي الألماني بالقول: "كان أجهزة التصنت مزروعة في المنزل والمكتب وكانت تسجل كذلك حتى أحاديثي في غرفة المعيشة، التي أتبادلها مع الزوار. وكلما كنت اترك برلين الغربية وأدخل ألمانيا الشرقية من خلال شارع هاينريش، كنت أقول في نفسي الآن أنت في بلد العدو". وكما كان حزب الوحدة الاشتراكي الألماني وجهاز أمن الدول "شتازي" تسيطر وتدير وسائل الإعلام هناك، أرادت كذلك أن تسيطر على الصحفيين القادمين من ألمانيا الغربية بشكل خاص.

Mauerfall-Projekt: Aram Radomski
صورة من: Robert-Havemann-Gesellschaft

تواجد أول الصحفيين القادمين من ألمانيا الغربية والمرخص لهم بالعمل في البلد الشيوعي منذ عام 1973. وكان عليهم أن يطلبوا رخصة لكل السفرات إلى المناطق الواقعة خارج برلين الشرقية قبل أربع وعشرين ساعة. كما كان عليهم التبليغ عن كل نوع من التغطية الإعلامية في وزارة الخارجية. وكانت لدى وزارة جهاز أمن الدولة ملف سري عن كل صحفي قادم من ألمانيا الغربية. إضافة إلى ذلك، فقد كانت تحيط بكل صحفي شبكة من المخبرين السريين. عن هذا يقول يوخن شتادت من رابطة "دولة حزب الوحدة الاشتراكي الألماني" البحثية التابعة لجامعة برلين الحرة: "كان كل أشخاص الاتصال الرسميين أما من رجال الحزب أو عملاء سريين لجهاز شتازي. وكان عددهم حول كل مراسل مرخص للعمل بشكل دائم يبلغ تقريباً بين 15 و 20 مراقباً".

كان أكثر الصحفيين خطراً أولئك العاملين للإذاعة والتلفزيون، فمنذ عام 1973 مُنعت مشاهدة القنوات التلفزيونية لألمانيا الغربية في الأماكن العامة. لكن على الرغم من ذلك كان يسمح بمشاهدتها في المنازل، ومن خلال التلفزيون كان سكان ألمانيا الشرقية يشاهدون التقارير، التي تعرض ما عمل النظام على إخفائه، كالتلوث البيئي وتداعي المدن على سبيل المثال.

صحفيون سريون

كان الصحفيون الغربيون يحصلون على المعلومات عن المواضيع الحرجة من أشخاص عدة، من بينهم سجبيرت شيفكه وآرام رادومسكي، اللذان كانا في نهاية العشرينات وخاطرا بحياتهما حين أخذا من منتصف ثمانينيات القرن الماضي بتزويد الصحفيين الغربيين بالمعلومات وتصوير ما لم يتمكن هؤلاء من تصويره.

Mauerfall-Projekt: Ulrich Schwarz, 2008, Berlin
اولريش شفارتزا، مراسل مجلة "دير شبيجل" في ألمانيا الشرقية سابقاصورة من: Marlis Schaum

وفي التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 1989 صعد الاثنان مساءً إلى برج أحد الكنائس المليء بمخلفات الطيور وصورا سراً تظاهر قرابة 70 ألف شخص من مواطني ألمانيا الديمقراطية على نظام حزب الوحدة الاشتراكي الألماني. وأعطيا التسجيلات إلى مراسل مجلة "دير شبيجل" أولريش شفارتس، الذي نقلها إلى الغرب. وفي اليوم التالي شاهد مواطنو ألمانيا الديمقراطية في أخبار القنوات الغربية أن التظاهر لم يكن سوى عربدة 500 ثمل في ساحة لايبزج، كما أعلنت وسائل إعلام الشرقية.

عن هذا يعلق آرام رادومسكي اليوم بالقول: "تمكنا من لفت الأنظار إلى حقيقة ما جرى في لايبزج، وكان ذلك بالتأكيد الشرارة التي أطلقت الكثير من الاحتجاجات الأخرى في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. لكني أعتقد أن المرء هناك لم يكن سوى حجر فسيفساء، في عملية كبيرة للغاية".

"ثورة بيضاء"

يقول يوخن شتادت إنه على قناعة من أن التلفزيون والإذاعة دقا إلى جانب الاتصالات الشخصية بالغرب والهاربين الكثيرين مسماراً في نعش نظام حزب الوحدة الاشتراكي الألماني. ويضيف: "شكل الحضور الدائم لبقية أنحاء العالم، الذي زود المواطنين، الذين لم يتمكنوا من مغادرة البلد، بالمعلومات الأساسية عن الأحداث في الغرب وأعاق دعاية تلفزيون وإذاعة جمهورية ألمانيا الشرقية وصحفها، شكل سبباً ضروريا لما حدث في عام 1989".

Mauerfall Projekt Siegbert Schefke Ost-Berlin 1988
سجبيرت شيفكه كان يزود الصحفيين الغربيين بالمعلومات رغم مراقبة جهاز شتازي لخطواتهصورة من: Robert-Havemann-Gesellschaft

أثرت وسائل الإعلام في ألمانيا الشرقية في سقوط الجدار بشكل غير مباشر، لأنها لم تتناول القضايا، التي كانت تهم المواطنين حقيقة. هارالد هيندل كان أحد المحررين الشباب في تلفزيون ألمانيا الديمقراطية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وطالما رغب في العمل كمراسل خارجي من أجل الهرب من سيطرة النظام هناك. ويقول هيندل: "كانت التغطية الإعلامية الغربية، التي كانت تُشاهد في الشرق، تحرك الكثير من الجماهير. فقد رأوا ما كان يمكن أن يحركهم، كما رأوا عجز هذا النظام". ويضيف هيندل متسائلاً: "من كان يظن أن تحدث مثل هذه الثورة البيضاء؟ أعتقد أنها لم يكن لها أن تحدث من دون التغطية الإعلامية ومن دون إهمال هذه التطورات من قبل وسائل الإعلام الشرقية".