جزائريات في ليبيا...البوصلة الضائعة – DW – 2018/4/8
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جزائريات في ليبيا...البوصلة الضائعة

٨ أبريل ٢٠١٨

ثلاثة جزائريين رووا تفاصيل رحلة عذابهم وهم في طريقهم إلى ليبيا عبر معبر"رأس الجدير"الحدودي بين تونس وليبيا، حيث اعترضتهم مجموعة مسلحة، وللقصة تفاصيل مرعبة وحزينة في تقرير حصري من الجزائر.

https://p.dw.com/p/2vfEN
Algerien Familie Amel Ben Bouzid - Nabila
الوالدة آمال تتأمل تنظر صور ابنتها المختفية نبيلةصورة من: DW/S. Boutera

في نوفمبر/ تشرين الثاني2016، وفي طريقهم إلى ليبيا عبر معبر "رأس الجدير"الحدودي بين تونس وليبيا، اعترضت مجموعة مسلحة، رحلة ثلاثة جزائريين لم يكتب لها النجاح.

تروي الثلاثينية "حياة" المنحدرة من مدينة قسنطينة (500 كلم شرقي الجزائر)، مشاهد هوليودية، فتقول:"لحظتها دخلت مع شقيقي إبراهيم ووالدتي إلى التراب الليبي، عقب تفتيش دقيق من طرف عناصر السلطة الأمنية المكلفة بمراقبة المعبر، بعد نحو 40 دقيقة على متن مركبة سياحية لتونسي حِرفتُه نقل الوافدين إلى ليبيا والعائدين منها".

وتضيف في مقابلة مع DW  "فجأة تهجُم علينا مجموعة مسلحة، يتحرك عناصرها على متن ست عربات رباعية الدفع، ينهرنا اثنان منهم، بعنف لفظي حاد، فنكشف عن هويتنا، لم تشفع دموع والدتي المُسنّة في إطلاق سراحنا، فيتم جرّنا إلى جهة مجهولة".

في تلك الأثناء، يجرؤ إبراهيم على محاولة فك الرباط، فيتلقى ضربات موجعة، تفقده الوعي، ندرك ثلاثتنا أننا أمام مصير مجهول".

11 يومًا في غرف مظلمة، لو تنطق جدرانها لما استطاعت أن تتحمل حجم الإهانات والسباب التي تعرضت لها أنا ووالدتي، توضّح "حياة" أن أخبار شقيقها انقطعت فور الزجّ به في زنزانة أخرى.

تواصل: "فضلنا مقاومة الجوع والعطش على مأكلهم ومشربهم،خشية من احتوائها على مواد سامة، تودي بحياتنا، حتى تلك اللحظة، كنا نأمل في الخلاض".

في كل مراحل تعذيبنا النفسي والجسدي، كان اسم المدعو "خالد الأمير"، فأدركنا أنه مسؤول الميليشية التي اختطفتنا، تشدد محدثتنا.

وتضيف "كان واضحًا أننا وقعنا في قبضة تجار بشر، يتصلون ببعض لمعرفة ردود فعل رسمية عبر شاشات التلفزيون"، تيقّنا لحظتها أن الخلاص لن يكون إلا بتحرك حكومي لدفع فدية.

الأمرُّ من ذلك، أن حكومتنا مكبلة بقانون يُجرّم دفع الفدية للجماعات المسلحة، كان ذلك الموقف معروفا لدى "نور الدين" حارس الزنزانة الذي يتصل بزعيمه أو زعمائه لكثرة مُتّصليه.

في كل تلك الأيام، لم نتمكن من التواصل مع زوجي أو عائلته في "تاجوراء"  بطرابلس، نترجى أفراد الجماعة لإطلاق سراحنا، لكن هؤلاء أيضا لا يعلمون أي مصير ينتظرنا، تتنهّد حياة.

Algerien Familie Amel Ben Bouzid - Nabila
آمال بن بوزيد والدة نبيلة الفتاة المختفية في ليبيا صورة من: DW/S. Boutera

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق سراحنا بكيفية ما نزال نجهلها، لم نحفظ من الدرس إلا أن العودة إلى الجزائر عبر بوابة "رأس الجدير" قد تكون أقرب إلى الحياة، فالمواصلة إلى طرابلس قد تعني النهاية بعد هول ما عشناه.

تم تسلمينا إلى مجموعة مسلحة أخرى في اقليم "البركي" بضواحي طرابلس العاصمة، ومكثنا هناك 17 يومًا أخرى، كان الأمر شبيهًا بحلم بعد موت، وما كنّا نصدق أن هذه المجموعة هي فرقة أمنية تتبع لسلطة النائب العام في العاصمة.

تزيد حياة: "بعدها تمّ إخبارنا أن المختطفين رضخوا لأوامر السلطة المحلية بإطلاق سراحنا، والأمر الآن متروك لتقدير الادعاء العام بتحريرنا برخصة قانونية، نتمكن بواسطتها من السفر جوًّا إلى مطار قرطاج التونسي، ومنه إلى الجزائر العاصمة عبر الخطوط الجوية الجزائرية".

تعيش حياة الأن في مدينة ميلة القريبة من قسنطينة، وتتواصل بشكل دوري مع زوجها، لم تعد مهتمة بالعودة إلى ليبيا في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 2011.

"آمال" مفقودة و"أحلام" مكسورة..

آمال بن بوزيد، قصة شابة جزائرية من بين العشرات اللواتي ضعن في دهاليز ليبيا، بسبب الحرب الدائرة هناك، قضت الأقدار أن تتزوج من الليبي، محمد عبد الرزاق،  35 سنة، مالك شركة لتصدير وتوريد اللحوم، بالعاصمة طرابلس. في الجزائر، وقبل قرابة 4 سنوات، كتبت صداقها على الطريقة التقليدية الجزائرية بحضور أقارب الطرفين، قبل ترسيم عقد الزواج، في بلدية الشراقة، غربي العاصمة، ثلاثة أعوام بعد التعارف.

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قررت، بعد تردد، دخول الأراضي الليبية للإقامة مع زوجها، هناك تفاجأت أنه لا يمكنها أن تقيم بالمسكن العائلي، محمد، أراد لها أن تكون زوجته الثانية، دون مصارحتها.

ماكان على أمال أن تعود أدراجها إلى الوراء، فالوضع الأمني خطير، وما عليها إلا أن تتقبل الامر الواقع...، الإقامة رفقة ابنها بأحد فنادق طرابلس، هكذا فرض عليها الزوج.

Grenzstellenübergang Rass Jdir in Tunesien an der Grenze zu Libyen
معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبياصورة من: DW

شهران بعد ذلك، تنقطع أخبار ابنة الـ  25  ربيعا، لا اتصال ولا رسالة..، لكأن الأرض ابتلعتها، تقول، والدتها نبيلة، في مقابلة مع DW  ببيتها بضاحية زرالدة، غربي العاصمة.

تنهمر الدموع من عينها، كسيل يكاد لا يتوقف، يسحب زوجها مسعود الكلمة، ويعود بالأحداث الى بداية القصة "ما كنت إطلاقا لأقبل بهذا الزواج لولا محاولات العائلة عن ثنيي عن القرار، فالحياة في ليبيا أعقد وأصعب مما تصوره كاميرات التلفزيون".

"لا أكاد أصدق، أن ابنتي ضاعت مني في رمشة عين"، تضيف السيدة نبيلة "ما أزال أتمتسك ببصيص أمل رغم ما يقوله لي مسعود، وهو العارف بالأزمة الأمنية التي عرفتها بلادنا قبل سنوات، كيف لنا أن نتجاوز ذلك بصعوبة فنقع فيه..."

"في 4 يناير/ كانون الثاني، نلقط، على قناة ليبية، طفلا ضائعا أمام عتبة مسجد سنينات بمدينة طبرق (1500 كلم) عن العاصمة طرابلس، هنا تعمقت المأساة أكثر فأكثر"، تسرد السيدة نبيلة.

ساعات وأيام نقضيها في التواصل مع القناة الليبية، عبر شبكة الانترنيت، تتواصل معنا الصحافية، التي أعدت تقرير الطفل الضائع، نأكد لها أنه ابننا "عبد الرحمان"، فتربطنا بشيخ المسجد، خليفة آدم بوفراج الكحاشي، الذي تولى، مشكورا، إعالة الطفل الضحية.

يتعهد، الشيخ الكحاشي، بأن "أمانتنا" في الحفظ والصون، فنبدأ بترتيبات السفر إلى ليبيا. تصر "أحلام"، على خوض المغامرة، فتهرول إلى جمع أمتعتها وتفصل بنفسها في قطع 3 دول في رحلة لها أول وقد لا يكون لها آخر.

يقول، مسعود، أن أحلام وعمرها 23 سنة، هي أقربنا إلى شقيقتها أمال، فما كانتا تفترقان.

في رحلة جوية، إلى مطار قرطاج الدولي بتونس، ومنه إلى مطار  طرابلس،  لكن الطريق إلى هناك كانت مليئة بالتعقيدات الادارية، إلى قفصة بالجنوب التونسي، حيث القنصلية العامة الجزائرية، ثم العودة إلى وزارة  الخارجية التونسية، فالسفارة الليبية،  أسلوب من التعقيدات والاجراءات في تونس، لم تكسر عزيمة أحلام.

Algerien Familie Amel Ben Bouzid - Nabila
صورة لذكريات جميلة تثير مواجع أهل الفتاة المختفية صورة من: DW/S. Boutera

في ليلة الـ8 فبراير/ شباط الماضي، تصل، طرابلس، تمكث أسبوعا، لدى أسرة جزائرية، مقيمة منذ 3 عقود.

 التبيلغ لدى النيابة العامة، أولى خطواتها، يُفتح تحقيق قضائي في ملابسات اختفاء "آمال" وابنها عبد الرحمان، يمثل الزوج "محمد" أمام النيابة، بعدما ظل يتهرب من اتصالات أهل المفقودة.

الصبي التائه..

تتصل DW بأحلام عبر تطبيق "الماسنجر"، فتسترسل، في الحديث بعد توجيهات من والدها "مسعود". تكشف أحلام، أن "تصريحات محمد بدت متناقضة ومحيرة في آن واحد، يقول للمدعي العام إنه كان يجهل أن زوجته وابنها في طرابلس، زاعما أنها عادت إلى الجزائر، ثم يعتقد أنها التحقت بمؤسسة حكومية محلية، ولا يدري أن عبد الرحمان عُثِر عليه بطبرق.."

تسكت المتحدثة لحظات، نحسب أن الاتصال انقطع، فإذا بها تستعيد أنفاسها.. "هنا اقتنعت أنه لا جدوى من بقائي في طرابلس مادامت القضية بعهدة القضاء المحلي، لا خيار لي سوى قطع مسافات طويلة إلى طبرق، أنزل عند أسرة جزائرية أخرى، أمكث عندها يومين، ثم أتحول إلى أسرة الشيخ الكحاشي."

صُدم، ابن شقيقتي "عبد الرحمان"، لم يكد يتعرف إلي، بعد شهور من الانقطاع والاختطاف، أتأكد منه أنه ووالدته تعرضا الى عملية خطف، وأكاد أجزم أن "آمال"، ترجّت خاطفيها بعدم إيذاء طفلها.

ليس من السهل أن أحمل الصبي وأعود به من حيث أتيت، فالأمر يتطلب ترخيصا قانونيا مع اثبات حالة الخطف، لدى النيابة العامة بطبرق.

تتمنى، أحلام أن يساعدها على كشف الحقيقة أحد معارف عائلة زوج شقيقتها، وهو سائق متمرس يعرف الصحراء الشاسعة ويدعى "بورا"، سبق له التعامل مع المفقودة "آمال" وزوجها "محمد"،  وتقول: "أني اتصل به منذ أيام ولا يرد".

تدخل متابعة أحلام فصلا آخر لاسترجاع ابن شقيقتها من الأراضي الليبية، تباشر مفاوضات مضنية مع والده، تعلّق أملها على حكم القضاء، وتترقب بالثانية والدقيقة أن تشرق شمس يوم جديد فتجد نفسها والطفل اليتيم في بلدها الجزائر.

سمير بوترعة - الجزائر

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد