خمس سنوات من حياتي" لمراد كورناز: كان من الأفضل منع هذا الكتاب! – DW – 2007/6/2
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

خمس سنوات من حياتي" لمراد كورناز: كان من الأفضل منع هذا الكتاب!

٢ يونيو ٢٠٠٧

سبب الكتاب الذي ألفه مراد كورناز ارتباكا للسياسيين وللقراء الألمان على حد سواء. فكيف كان بمقدورهم الاكتفاء بدور المتفرج على الرغم من أن هذا الإنسان كان عرضة للتعذيب والقمع في غوانتانامو؟ يوليا غيرلاخ تقدم الكتاب لنا.

https://p.dw.com/p/AnU1


الحق يتطلب منا أن نقول إن هناك كتبا كان من الأفضل منعها من النشر. كان من الأفضل تجنب توزيعها لأنها قد تدفع بعض الشباب إلى اللجوء للكفاح المسلح. كتاب مراد كورناز الذي صدر مؤخرا عن دار روفولت للنشر في برلين بعنوان "خمس سنوات من حياتي" ينتمي لقائمة مثل هذه الكتب. لا لأن مؤلفه قد قام بنشر محض البروباغندا أو أنه حث المسلمين الشباب على حمل السلاح بغرض القتال.

هناك سبب آخر يجعلنا نعتبر هذا الكتاب بمثابة تهديد للأمن الوطني وهو لكون كورناز يقدم في كتابه عرضا متسما بكامل الواقعية والصدق حول المعاناة التي وقع تحت طائلها. وإذا كانت هناك أسباب تدفع الشباب في الدول الإسلامية إلى ضمر الكراهية للغرب فإن ذلك لا يعود في حالات كثيرة إلى كونهم يرفضون القيم الغربية في حد ذاتها كالحرية والمساواة والديموقراطية بل لأسباب أخرى:

ظاهرتا "أبو غريب" و "غوانتانمو" هما رمزان من رموز خيانة الغرب للمبادىء التي يدين بها ، وهنا تقع أسباب الكراهية التي يواجهها الغرب من الآخرين. قراء الصحف المطلعون على مجريات الأمور يعرفون جيدا وقائع السجون الأمريكية في بغرام وقندهار.

يوميات سجون التعذيب الغربية

من أشكال طرق التعذيب : يعلق المعتقلون برؤوسهم في السقف عراة طيلة أيام عديدة فيما بقيت أياديهم مقيدة بالكلبشات، يحرمون من الطعام والنوم وتوضع رؤوسهم لمدة طويلة في أوان مليئة بالماء. تلك أمور يعرف شأنها قراء الصحف.

يصف مراد كورناز في كتابه مشاعر الإنسان الذي يرزح تحت طائل مثل هذه المحن وكيف أنه يصبح في حالة وضع رأسه في إناء معبأ بالماء لمدة طويلة على يقين بأنه سيموت غرقا ليتحسس فجأة وقع ضربة قاسية سددها أحد حراس السجن لأمعائه.

يروي مراد كورناز تفاصيل التعذيب كما لو كان جسمه وحده هو المستهدف فيما تلاشت هويته كإنسان. لكنه لا يعرف حتى اليوم على وجه التحديد ما الذي حدث له من البداية إلى النهاية. يقول في كتاب:

"بدأت أدرك تدريجيا كيف أنني دخلت في طواحين السياسات الدولية الكبيرة لكنني ما زلت أجهل خلفيات وتداعيات العديد من الوقائع التي حدثت. كذلك بدأت أدرك منذ مثولي أمام لجنة التحقيق البرلمانية في برلين بأنني وقعت مجددا في معمعة السياسة دون أن يكون لي باع في هذا الأمر".

جاءت هذه العبارة الواردة في ختام تقريره لتكون بمثابة جوهر استخلاصه لما وقع له. لقد حاول عبثا وطيلة سنوات خمس جنود تابعون للولايات المتحدة الأمريكية وجنود ألمان ينتمون لفريق أمني خاص يسمى KSK ورجال شرطة أتراك وقضاة حرب أمريكيون وموظفون تابعون للنيابة العامة الألمانية إثبات انضواء مراد كورناز في صفوف شبكة القاعدة الإرهابية أو في أضعف الحالات إثبات اتسامه بالخطورة. لكنهم كلهم فشلوا في ذلك.

شكوك حية

من المنطقي على ضوء ذلك اعتبار مراد كورناز التركي الأصل البالغ 25 عاما من العمر والذي ولد وترعرع في ألمانيا بريئا تماما من التهم الموجهة له في السابق. لكن الواقع غير ذلك، حيث ما زال هناك من يشكك في مصداقية هذا الرجل ذي اللحية الغزيرة الطويلة. أصحاب الظن والشك يتساءلون عن الأسباب التي دفعته إلى التوجه إلى باكستان في خريف عام 2001 طالما كان بريئا بالحق.

يحاول مراد كورناز الإجابة على هذا السؤال في كتابه فيقول إنه لاحظ بأن الكثيرين من أصدقائه المنحدرين من مسقط رأسه أي مدينة بريمن الألمانية قد ضلوا الطريق وانزلقوا في معمعة المخدرات والجريمة مما دفعه إلى البحث عن الخلاص من خلال اللجوء إلى تعاليم الدين الإسلامي حيث تزوج فتاة تؤمن إيمانا عميقا بالدين.

ونظرا لأنه كان مفتقدا إلى المعرفة والممارسة في شؤون الدين الإسلامي فقد قرر أن يصبح زوجا مؤمنا وكفأ لهذه المرأة المتدينة. وقد اعتقد بأن إتقانه لتعاليم الدين الإسلامي كان سيستغرق منه وقتا طويلا فيما لو التحق بدروس الدين في مساجد بريمن بغية الحصول على معرفة متكاملة، لهذا قرر التوجه إلى باكستان للالتحاق هناك بدورة تعليم قصيرة ومكثفة في آن واحد.

لكن الذي حدث هناك هو أن جنودا باكستانيين ألقوا القبض عليه في مدينة بيشاوار ثم "باعوه" لجنود أمريكيين لقاء حصولهم على مبلغ 3000 دولار. نقل أولا إلى قندهار في أفغانستان ثم أرسل من بعد إلى معتقل غوانتانمو.

طواحين السياسة

كتابه يتسم بقدر كبير جدا من السذاجة والبراءة، وهذا ما يجعل القارىء مقتنعا إلى حد كبير بصدق سرده للأحداث. فإذا كان وزير الداخلية الألماني السابق أوتو شيلي أو وزير الخارجية فالتر فرانك شتاينماير ما زالا يشيعان الشكوك بشأن مصداقية مراد كورناز (الذي تطلق عليه تسمية "من أنصار طالبان في بريمن") فقد كان علينا أن نبحث في أسباب ذلك داخل ما سماه المؤلف "طواحين السياسة".

لكن كتاب "خمس سنوات من حياتي" لا يروي فحسب قصة معاناة هذا الرجل ولا يتضمن فقط إثباتات بشأن براءته بل إنه يعطي كذلك صورة مفصلة للغاية حول مجريات الحياة اليومية في معسكر غوانتانمو. فالكتاب يتطرق إلى أساليب التعذيب المروعة التي يعاني منها المعتقلون كتعرضهم للضرب والعزلة ولامتهان كرامتهم.

يروي مراد كورناز في كتابه هذا كيف اتفق المعتقلون على شخص من يتزعمهم رغم منعهم من التخاطب مع بعض. يستخلص القارىء بأن الإيمان بالدين والإحساس بقوة التضامن لدى الجماعة هما العاملان اللذان أكسبا المعتقلين بحكم إيمانهم بالدين الإسلامي القدرة على البقاء وحال دون تعرضهم للجنون.

هنا نستطيع أن ندرك بأن الأمر الوحيد الذي أثار حفيظة وهيجان المعتقلين على نحو حقيقي ملموس تعريض دينهم للتجديف من قبل حراس المعتقل. وقد تطرق كورناز في كتابه إلى عدة وقائع تمرد شهدها المعسكر مع العلم بأن تدنيس القرآن كان على الدوام سبب اندلاع تلك الوقائع. إن قراءة هذا الكتاب أمر صعب لا يكاد القارىء يملك القدرة على تحمله، على الرغم من ذلك لا بد من قراءته.

ومع ذلك كان من الأفضل كما ذكرت في البداية منع إصدار هذا الكتاب. لكن من يرفض وضع الكتب في قوائم التحريم ويتبنى مبدأ حرية الصحافة كان عليه أيضا أن يرفع رايات مبدأ غربي أصيل آخر أي مبدأ الدفاع عن سيادة القانون في الدولة ونبذ النظام الذي يشكل معتقل غوانتانمو رمزا له ، كما كان عليه أن يتصدى لممارسات التعذيب وللدور الألماني في هذا السياق. هناك أسباب عديدة تتطلب منا اتخاذ هذا الموقف أهمها مكافحة ظاهرة الإرهاب.

بقلم يوليا غيرلاخ
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007