"شرطة دينية" تلاحق مفطري رمضان وتضع دستور تونس على المحك – DW – 2017/6/4
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"شرطة دينية" تلاحق مفطري رمضان وتضع دستور تونس على المحك

٤ يونيو ٢٠١٧

في تونس البلد الذي يحكمه دستور يعتبر نموذجا في العالم العربي والإسلامي في تكريس حقوق الإنسان، ورغم تقاليد البلد الليبرالية، يخشى بعض التونسيين المجاهرة بإفطار رمضان وذلك تحت وطأة ضغوط وُعاظ يشبهون "الشرطة الدينية".

https://p.dw.com/p/2e6zT
Tunesien Salafisten treten als Ramadan-Kontrolleure auf
صورة من: DW

 

أحكم سيف (39 عاما) إغلاق نوافذ سيارته المركونة بمأوى سيارات بالعاصمة تونس ودخّن داخلها سيجارة وهو ينظر يمينا ويسارا خشية أن "يراه أحد" أو "يباغته رئيس الشرطة الدينية" كما يقول. وأفاد سيف الذي يعمل في شركة معلوماتية "أنزل عدة مرات للمأوى للتدخين بعد أن احتج زملائي في العمل على تدخيني في شرفة المكتب، كما احتج العاملون في شركة تقع في الطابق العلوي على صعود رائحة السجائر إليهم".

وقال سيف لـ DW عربية :"رغم أن الدستور الجديد نصّ على 'حرية الضمير' فإن الإفطار في نهار رمضان ما يزال جريمة في نظر أغلب التونسيين، على الرغم من أن أغلب الصائمين لا يصلّون".

ويتعرض مفطرو رمضان في تونس في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى ضغوط ملحوظة في الشارع أو حتى في نطاق العمل أو الأسرة. وخلال العقود الماضية سواء في عهد حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي أرسى دولة حديثة بتونس ذات منحى علماني، وحتى في فترة حكم خلفه المخلوع زين العابدين بن علي، إعتاد أصحاب المقاهي والمطاعم بالمدن الكبرى من البلاد فتح محلاتهم خلال شهر رمضان.

"شرطة دينية"

منذ بداية شهر رمضان شرع عادل العلمي رئيس "الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح"، في ضبط مفطرين بمقاه مفتوحة في العاصمة تونس لتتبعهم وأصحاب تلك المقاهي أمام القضاء بتهمة "المجاهرة" بالإفطار.  و"الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح" هي جمعية غير حكومية مرخصة ويشبهها البعض في وسائل الإعلام التونسية بالنسخة التونسية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما توصف أحيانا بـ"شرطة دينية''.

Tunesien Adel El-Almi
عادل العلمي رئيس "الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح"صورة من: Getty Images/AFP/F. Belaid

ومن جهتها تقوم الشرطة (الرسمية) بحملات ضد مفطري رمضان. فقد أصدرت محكمة في بنزرت (شمال شرق) حكما بسجن أربعة أشخاص أغلبهم متشرّدون، مدة شهر وأمهلتهم 10 أيام ليستأنفوا الحكم وإلا حبستهم، بتهمة "المجاهرة بما ينافي الحياء" بعد أن ضبطتهم الشرطة بصدد الأكل والتدخين في حديقة عامة. كما أوقفت الشرطة داخل مقهى مفتوح بمدينة قصر هلال (وسط شرق) الناشط السياسي محمد الهادي ساسي واقتادته مكبّل اليدين إلى المخفر حيث حررت ضده محضرا بتهمة "المجاهرة" بالإفطار، حسبما أعلن محاميه أيوب الغدامسي.

وبداية رمضان، منعت السلطات مقاه في منطقة سيدي بوسعيد السياحية (شمال العاصمة) من الفتح، مثلما أعلن أصحابها. كما أغلقت مشارب بمستشفيات عامة اعتاد الناس التزود منها بالماء والأغذية للمرضى.

وبحلول شهر رمضان، عممت وزارة الداخلية على مخافر الأمن "كما اعتادت منذ سنوات طويلة" منشورا تذكّر فيه بوجوب غلق المقاهي والمطاعم "غير السياحية"، بحسب ما أفاد مسؤول أمني لـ DW عربية. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "لسنا شرطة دينية كما يزعم البعض، نحن نطبق ما يتمّ تكليفنا بتطبيقه في إطار القانون".

"تجريم المجاهرة بالحريّة"

أيّد وائل (26 عاما)، وهو عامل يومي، "تتبّع المجاهرين بالإفطار في رمضان"، وقال لـ DW "ما معنى أن تكون صائما ويتحدّاك شخص قوي الِبنية بتدخين سيجارة أو بالأكل أو الشرب في مكان عام؟، هذه قلة حياء وقلة احترام وانسلاخ عن الهويّة. يا أخي إن عصيتم فاستتروا واحترموا مشاعر أغلبية الشعب المسلمة".

Tunesien Salafisten treten als Ramadan-Kontrolleure auf
أصحاب المطاعم المفتوحة في رمضان يعمدون إلى وضع صفحات من الجرائد على واجهاتها صورة من: DW

من ناحيتها قالت وفاء (30 عاما) وهي ربة بيت،  إنها "ليست لا مع المجاهرة بالإفطار ولا مع مطاردة المفطرين من قبل الشرطة أو عادل العلمي، لأن كل إنسان حرّ في أفعاله".

وأضافت "من يريد أم يفطر هو حرّ لكن عليه الابتعاد عن الأعين حتى لا يجلب لنفسه مشاكل هو في غنى عنها. أعتقد أن على الشرطة التركيز على تتبع تجار المخدرات والمهرّبين والإرهابيين وليس مطاردة المفطرين، لأنها ستعطي إن فعلت العكس صورة سيئة عن بلدنا السياحي في العالم".

أما طالب الجامعة، سفيان (24 عاما) فكان له رأي آخر إذ قال لـDW عربية "نحن شعب يعيش حالة انفصام في الشخصية، الدستور ينص على أن تونس دولة مدنية وليست دينية، وعلى حرية الضمير: يعني أن يمارس كل شخص قناعاته بحرية في الفضاء العام المشترك. من يريد أن يصوم فليصم ومن يريد أن يفطر فله ذلك، يجب ملاءمة القوانين القديمة مع دستور 2014، ووقف العمل بالمراسيم البالية المتعارضة مع حقوق الإنسان والتي تجرّم المجاهر بالحرية الفردية".

وأضاف "المشكل الأساسي يكمن في العقلية المتكلّسة المتوارثة منذ قرون، أنا لا أصوم في رمضان وقد وجدت نفسي منبوذا من العائلة ومن كثير من الأصدقاء، المفطر عندهم خارج عن الدين والملّة".

"تجريم المجاهرة بالاعتداء على المقدسات"

ورغم الانتقادات الإعلامية والحقوقية الكبيرة التي واجهها عادل العلمي رئيس "الجمعية الوسطية للتوعية و الإصلاح، إلا أنه "مصمم" على المضي في ضبط المفطرين بالأماكن العامة.

العلمي قال لـDW عربية "ما أقوم له يدخل في صميم مكافحة الإرهاب، حتى لا يدّعي (تكفيريون) أن تونس أصبحت بلد كفر يطبّع مع إفطار رمضان، وتنعدم فيه علامات الدولة المسلمة". وأضاف "أقول لمن يدفعون بأن الدستور (الفصل السادس) ينصّ على حرية الضمير، أنه ينص في الفصل نفسه على أن الدولة تلتزم بحماية المقدسات ومنع النيل منها". وتابع "تونس دولة دينها الإسلام حسب الدستور أيضا، وبالنسبة إلى الدولة المسلمة فإن رمضان ركن من أركان الإسلام المقدّسة".

وقال "حرية الضمير في قلبك وفي منزلك، أما الشارع فهو للناس جميعا وأغلب الناس مسلمون" مطالبا بسنّ قانون "يجرّم المجاهرة بالاعتداء على المقدسات".

ومن جهته قال جمال مسلم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (الحائزة جائزة نوبل للسلام لعام 2015) لـDW عربية إن القانون الجنائي التونسي ليس فيه فصول "تجرّم الأكل أو الشرب في نهار رمضان" وأن الحكم القضائي الأخير القاضي بسجن 4 مفطرين في بنزرت صدر بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء" وهي تهمة "يجب حذفها" من القانون.

Tunesien Salafisten treten als Ramadan-Kontrolleure auf
جمال مسلّم رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان صورة من: Jamel Msallem

واعتبر أن "هذا الحكم القضائي، وترهيب عادل العلمي لأصحاب وروّاد المقاهي والمطاعم المفتوحة هو انتهاك للحريات الفردية" التي يحميها الدستور. وقال "سنواصل النضال من أجل ترسيخ مبادئ العيش المشترك، وقبول الآخر المختلف حتى لا يقع تجريمه أو تكفيره".

وأثار الحكم القضائي بسجن أربعة مفطرين في بنزرت انتقادات كبيرة للقضاء التونسي إلى حد أن فرع عمادة (نقابة) المحامين في سوسة (وسط شرق) أعرب في بيان عن "رفضه الزج بالقضاء، باعتباره الضامن للحقوق والحريات، في مثل هذه المسائل التي تهدد الطابع المدني للدولة وتمس من الحريات الشخصية".

وقد ردّت نقابة القضاة على هذا الموقف ببيان قالت فيه إن "قضاة تونس حريصون على ضمان الحريات الفردية واحترام القانون، حرصهم على احترام حدود الحريات وقيودها طبق ما يوجبه القانون".

حاتم الشافعي - تونس

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد