علاء الأسواني: رسالة صريحة إلى القارئ الحائر.. – DW – 2017/5/2
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: رسالة صريحة إلى القارئ الحائر..

علاء الأسواني
٢ مايو ٢٠١٧

في هذا المقال* يستعرض علاء الأسواني مشكلة غريبة وصلته من قارئ ويرد عليه بصراحة.

https://p.dw.com/p/2cBqE
Kolumnisten Al-Aswani

وصلتني الرسالة التالية من قارئ:                                      

"سيدي. أنا رجل في الأربعين متزوج وعندي ثلاثة أولاد في مراحل التعليم المختلفة أعمل موظفا في هيئة حكومية، توفى أبي رحمه الله منذ أربع سنوات وورثت عنه محلا لبيع الحلويات الشرقية، لأنني ابن وحيد وموظف فقد بحثت عن شخص أمين يتولى إدارة المحل مقابل مرتب كبير ونسبة 20 في المائة من الأرباح. رشح لي الأصدقاء شخصا سأسميه  ثروت (وهذا ليس اسمه الحقيقي) وجدت في ثروت كل المواصفات المطلوبة لمدير المحل. فهو إنسان محترم، متدين جدا وعلى جبينه علامة الصلاة كما أنه ضابط متقاعد مما جعلني أطمئن إلى قدرته على الإدارة. كان ثروت مهذبا وودودا معي بطريقة استثنائية. كان ينظر  إلي بحنان ويقول:

- أنت أخي الذي لم تلده أمي. الأرواح تتلاقى يا أخي وأنا أحبك في الله.

توكلت على الله وعينته وأحسست براحة كبيرة لأنه سيعفيني من مسئولية المحل. أول شيء فعله ثروت أنه قام بشراء جهاز تسجيل وسماعات كبيرة وراح يذيع الأغاني الوطنية في المحل طوال النهار. استغربت وسألته :

- لماذا تذيع الأغاني الوطنية في محل للحلويات..؟

قال لي:

لأنني أعشق كل ذرة من تراب الوطن.

قلت له:

-  كلنا نحب الوطن لكن ماعلاقة ذلك ببيع البسبوسة والبقلاوة..؟

غضب ثروت وقال لي:

- الزيون الذي لا يحب تراب الوطن لا أريده في المحل.

لم أتوقف كثيرا عند موضوع الأغاني الوطنية. بعد ذلك عين ثروت مساعدا له ضخم الجثة مفتول العضلات، فقلت لنفسي ربما يكون وجود شخص بهذه القوة مفيدا للمحل. كان اتفاقنا أن يقدم ثروت لي حسابات المحل أول كل شهر فيأخذ مرتبه ونسبته من الأرباح ويعطيني حقي. مر شهران ولم يقدم لي الحسابات، فقلت لنفسي لابد أن ثروت يريد أن يقدم الحسابات كل ستة أشهر ولا بأس في ذلك. ثم حدث أنني كنت أزور المحل وبينما أنا جالس مع ثروت. جاء محاسب المحل (وهو شاب ممتاز كان أبي يحبه) وقدم لي حسابات المحل. عندئذ ظهر الغضب الشديد على ثروت وقال للشاب:

-  أنا قلت لك تجيب الحسابات..؟!

رد الشاب بشجاعة:

- من حق صاحب المحل أن يطلع على الحسابات.

انتزع ثروت الحسابات من الشاب و أشار لمساعده الضخم فانهال ضربا على الشاب بطريقة وحشية (بصراحة لم أتدخل للدفاع عن الشاب لأننى خفت) بعد ذلك اتهم ثروت الشاب زورا باختلاس أموال المحل وللأسف، نتيجة لنفوذ ثروت، حكم على الشاب بالسجن وهو محبوس حاليا.

مرت أربع سنوات على إدارة ثروت للمحل وهو يرفض أن يقدم لي أي كشف بالحسابات. أربع سنوات لم أحصل خلالها على جنيه واحد من إيراد محل أبي. عندما ألححت على ثروت صاح في وجهي (وبجواره مساعده الضخم):

- محلك خسران. أنا أصرف على محلك من جيبي.

خفت وسكت. أنا متأكد أن المحل يحقق مكاسب كبيرة أولا لأن الزبائن لا ينقطعون عن المحل، وثانيا لأن أرباح المحل ظهرت آثارها على ثروت فهو يرتدي ثيابا مستوردة باهظة الثمن وقد تخلص من سيارته اليابانية القديمة واشترى سيارة مرسيدس حديثة. حاولت أكثر من مرة بلباقة أن أطلب منه اعطائي أي شيء من الأرباح. قلت له إنني أحتاج للمال حتى أنفق على أولادي، لكنه قال لي:

- يجب أن تتحمل هذه الفترة الصعبة. خمس سنوات على الأقل قبل أن يدر المحل أي أرباح.

استسلمت لهذا الوضع من خوفي وقلة حيلتي لكن ثروت جاء إلى بيتي بالأمس ومعه مساعده الضخم وقال لي إن المحل المجاور لمحلي معروض للبيع وطلب منى مبلغا كبيرا (نصف مليون جنيه) حتى نشتري المحل المجاور ونضمه لمحلي. كان المفروض طبعا أن أسأله إذا كان المحل يخسر كما يقول فلماذا يريد توسيعه..؟ بصراحة أنا خفت ولم أعترض لكني طلبت مهلة للتفكير . ثروت  أصر على أن أدفع المبلغ خلال أسبوع. أنا في أزمة كبيرة ولا أنام الليل. طبعا لو دفعت المبلغ لن أرى أي أرباح ولو رفضت ما يطلبه ثروت سوف أتعرض لأذى شديد. بعض الأصدقاء نصحوني بأن  أرفع قضية ضد ثروت لأنه أخذ أرباح المحل لنفسه. بصراحة أنا خائف جدا. أنا رجل مسالم وكل همي في الدنيا أن أربي عيالي. لا أعرف ماذا أفعل. انصحني أرجوك.

توقيع

 القارئ الحائر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عزيزي القاريء الحائر

أخطأت عندما لم تتحمل مسئولية إدارة المحل الذي ورثته أبيك وأخطأت عندما لم تتحر جيدا عن ثروت قبل تعيينه وأخطأت عندما فرطت في حقك في أن تطلع على الحسابات وتحصل على الأرباح. أما خطيئتك الكبرى فكانت عندما خذلت الشاب الذي دافع عن حقوقك وتركته يتعرض للضرب ويلقى به في السجن ظلما. لقد كانت هذه فرصتك الذهبية لاسترداد حقوقك وقد أضعتها بيديك.. الآن الاختيار لك وحدك. إما أن تتصرف بشجاعة وتدافع عن حقوقك ضد ثروت مهما تكن العواقب وأما أن تسكت وتكمل دورة الإذعان والخنوع حتى تصل للحضيض. عندئذ لا تلومن إلا نفسك. الحقوق لا توهب أبدا وإنما تنتزع.. إذا لم تقاوم الظلم فليس من حقك أن تشكو منه..

الديمقراطية هي الحل

   [email protected]

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.