عودة إلى الأزمة العراقية الدائمة – DW – 2012/6/21
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عودة إلى الأزمة العراقية الدائمة

٢١ يونيو ٢٠١٢

يتابع د. عبد الخالق حسين مسار الأزمات العراقية المتتالية، مركزا هذه المرة على ما يعتبره تحالفا بين الأكراد وقوى سياسية لها مصلحة في إسقاط المالكي للوصول إلى أهداف سياسية تهمها بعيدا عن هموم وحاجات الشعب.

https://p.dw.com/p/15Iut
صورة من: picture-alliance/dpa

مكونات الأزمة

1- الإنقسام الأثني والديني والطائفي، مدعوماً بالتوزيع الجغرافي. أي ثلاث مناطق جغرافية تسكن كل منها، أغلبية طائفة معينة، أو أثنية معينة.

2- نجحت الأنظمة المستبدة في حكم العراق، وحافظت على تماسكه ووحدته الظاهرية عن طريق القوة والقهر، وبتبني دكتاتورية المكونة الواحدة، أي حكم عربي سني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، إلى سقوط حكم البعث الصدامي الطائفي العنصري عام 2003، واتبعوا الموروث التركي في التمييز الطائفي، وسياسة (فرق تسد)، لإثارة الأحقاد والعداء بين مكونات الشعب. وبعد سقوط حكم البعث رفض المكون الذي احتكر السلطة لعشرات السنين، التخلي عن امتيازاته إلا على أسنة الحراب. إذ كما قال الدكتور حسين رستم في مقال له في هذا الصدد: "إن الإدمان على الحكم كالإدمان على المخدرات"، لذا فمن الصعوبة إقناع العرب السنة بالتخلي عن امتيازاتهم في احتكار السلطة والنفوذ وصنع القرار السياسي، والمشاركة العادلة في الحكم مع بقية مكونات الشعب وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. لهذا شنوا هجوماً على عراق ما بعد صدام، وعلى الديمقراطية التي أطلقوا عليها مختلف النعوت البذيئة، والأسماء التسقيطية، لإفشال العملية السياسية، واستعانوا في ذلك بمنظمات الإرهاب، والسعودية، وقطر، وتركيا، وغيرها من الدول الحاقدة على العراق.

3- دخول دول الجوار على الخط ، واستعانة الكتل السياسية بها، كل حسب انتمائها الطائفي والأثني، لإلحاق الهزيمة بالخصوم المنافسين على حساب المصلحة الوطنية.

4- عدم خبرة العراقيين في ممارسة الديمقراطية: الحقيقة التي ينكرها كثيرون، بقصد وبدونه، هي أن الفترة الوحيدة التي مارس فيها الشعب العراقي الحرية والديمقراطية، هي الفترة التي تلت عام 2003. فلأول مرة تشترك جميع مكونات الشعب بالحكم وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن المشكلة أن شعباً لم يمارس الديمقراطية طوال تاريخه، فمن الصعوبة أن ينتقل من نظام الاستبداد إلى الديمقراطية بطريقة سلسلة، خاصة بعد التركة الثقيلة التي ورثها العهد الجديد من العهد البائد.

ولهذه الأسباب نجد كل كتلة سياسية تحاول أن تحقق لنفسها مائة بالمائة من السلطة والنفوذ، ولغيرها صفر بالمائة، النظرية التي تسمى بـ"المعادلة الصفرية" حسب تعبير المفكر العراقي الدكتور غسان العطية.(2)

5- نجاح حكم البعث في تخريب المجتمع العراقي، حضارياً وفكرياً وسياسياً وأخلاقياً، لذلك نجد تفشي الفساد واللا أبالية في معظم مفاصل الدولة، إلى حد أن صار هدف كل مسؤول وموظف في الدولة هو النهب وعدم تمشية أمور الناس إلا بالرشوة. فكما نقل لنا الأستاذ الدكتور عبد الحميد العباسي في مقال له عن الفساد المالي [مقولة أحد رؤساء الوزارات في النصف الأول من القرن السابق: "ان العراق بيتٌ يحترق فاليُخْرج (ينهب) منه كلٌ ما يستطيعه"، صارت هذه المقولة، نبراسا في ظل إحساس مكبوت، ان البلد، كما نعرفه آيلٌ الى الزوال، ومن ان الحكومة (الرئاسات الثلاث) وكتلها السياسية المتوافقة، نفسها، تتستر على المفسدين."]

6- كجزء من شخصية الفرد العراقي، وثقافته الموروثة (culture)، يفتقر العراقيون إلى العمل بروح الفريق (team work)، لذلك، نرى أن زعيم كل كتلة سياسية يعتقد أنه أَولى من غيره برئاسة الحكومة الفيدرالية في بغداد، ضارباً نتائج الانتخابات عرض الحائط .

دور البرزاني و(جماعة أربيل) في تصعيد الأزمة العراقية

كنا نأمل من السيد مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، وبعد كل الكوارث التي حلت بكردستان خاصة، والعراق عموماً، على أيد الأنظمة المستبدة، أن يكون عوناً في بناء الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية، ولكن الذي حصل في الأشهر الأخيرة للأسف الشديد، أن البرزاني أنضم إلى جوقة السعودية، وقطر، وتركيا لتدمير الدولة العراقية، ولأغراض آنية وقصر النظر.

لقد لحق ظلم الأنظمة الدكتاتورية بكل مكونات الشعب العراقي في الماضي مع الاختلاف بالدرجة. لذلك وبعد إسقاط حكم البعث الجائر، استخدمت كل جهة مظلوميتها كذريعة للهجوم على الآخر. وفي هذا الخصوص جعل السيد البرزاني من أربيل مقراً لاستضافة المعارضين لحكومة بغداد، أطلق عليهم (جماعة أربيل). وهو يتخذ من الأنفال وحلبجة وغيرها ذريعة لزعزعة الحكومة المركزية الديمقراطية، وصار يعتقد أنه لا يمكن أن يقيم الدولة الكردية المستقلة إلا بتحطيم الدولة العراقية. وهو يعرف كيف يناور ويراوغ ليقدم مشروعه للشعب العراقي بلبوس الحرص على الوحدة العراقية والديمقراطية. فنسمع أقوالاً مثل: نريد ديمقراطية حقيقية في بغداد، ومنع عودة الديكتاتورية، ووصف رئيس الحكومة المركزية، السيد نوري المالكي، بالدكتاتور، والشوفينية، وأن المالكي يريد إعادة الأنفال ومأساة حلبجة، والحروب...الخ.

وهناك جيش جرار من حملة الأقلام لخدمة مشروع البرزاني عن طريق نشر البلبلة الفكرية، وخلط الأوراق لتضليل الرأي العام. فعلى سبيل المثال، ذكر السيد دانا جلال في مقال له عن مؤتمر أربيل، أجتزئ منه ما يلي: "أنهم في مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية رددوا أغنية (هر بژي كورد عرب رمز النضال)". وعن عقد مجلس الوزراء جلساته في المحافظات قال: "وأن قلعة أربيل كانت ستفتح بواباتها لعقد اجتماع مجلس الوزراء العراقي...الخ".

هذا الكلام جميل جداً ونؤيده بكل قوة، ولكن المشكلة التي تصدمنا هي أن هذا الكلام الجميل على الضد تماماً مما يجري على أرض الواقع من قبل قيادة السيد البرزاني. فعملياً تعرض رئيس الوزراء العراقي إلى هجوم سافر من قبل حكومة الإقليم لأنه تجرأ وعقد اجتماع مجلس الوزراء في كركوك، حيث قاطعه الوزراء الكورد بأمر من قيادتهم السياسية، بل وحتى استكثروا عليه عقد الاجتماع في الموصل لأنها قريبة من كردستان، واعتبروا الاجتماع في هذه المحافظات استفزازاً لمشاعر الشعب الكردي!! عجبي.

فالمطلوب هو أن تتطابق الأقوال التي تتردد في المقالات والمؤتمرات الدعائية، مع الأفعال على أرض الواقع. يبرر هؤلاء السادة موقف رئيس الإقليم المعادي للحكومة المركزية أن ديمقراطية بغداد متعثرة، إذ يعلق الكاتب قائلاً: "فأربيل قلعة عراقية حينما تكون بغداد ديمقراطية، وقلعة للديمقراطية حينما تتخلى بغداد عن ديمقراطيتها المتعثرة.." (كذا).

لماذا ديمقراطيتنا متعثرة؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت ديمقراطية بغداد متعثرة حقاً، فمن الذي جعلها كذلك؟ أليس الشركاء في العملية السياسية أنفسهم بمن فيهم السيد مسعود البارزاني؟ فأي الديمقراطيتين متعثرة وأيتهما حقيقية؟ ديمقراطية بغداد أم ديمقراطية أربيل؟ فمن يتابع صحف بغداد مثل (المدى) وغيرها، يعرف أنها تصب حمماً متواصلاً على رئيس الوزراء وحكومته بمنتهى الحرية ودون أي خوف من ملاحقة ومقاضاة. بينما أقل انتقاد يوجه إلى رئيس الإقليم وحكومته من أي صحفي، أو كاتب، أو أكاديمي، سرعان ما يتعرض إلى الاغتيال أو السجن والتعذيب، أو الاختطاف والاختفاء، وقد ذكرنا أمثلة كثيرة في مقالاتنا السابقة.

فهل من الديمقراطية الحقيقية، والشراكة المنصفة أن تحتضن أربيل "قلعة الديمقراطية" المتهمين بالإرهاب، وتوفر الملاذ الآمن لأمثال طارق الهاشمي وحمايته الملوثة أيديهم بدماء العراقيين؟

نذكِّر السيد البارزاني، أنه منح مشعان الجبوري الثقة والدعم، وهو الذي فرضه على اللجنة الموسعة المنبثقة من مؤتمر المعارضة العراقية في لندن عام 2002، وكان جزاءه أخيراً أن صرح مشعان الجبوري قبل أيام قائلاً: أن "الكرد اوجدوا الصراع الطائفي وسأرفع السلاح ضد مشروعهم الطامع". وهل يستبعد البرزاني أن يأتي يوم يصدر فيه مثل هذا الكلام ضد الكرد من علاوي والهاشمي ومقتدى الصدر وغيرهم من (جماعة أربيل) الذين يستضيفهم؟

لقد أحال البرزاني أربيل إلى مقر دائم لاستضافة رؤساء الكتل السياسية (جماعة أربيل) في لقاءات متواصلة لإسقاط حكومة المالكي. وفي هذه الحالة، من نلوم على تعثر الديمقراطية في بغداد؟ ومن هو المؤهل ليعطي شهادة تزكية بأن هذه الديمقراطية حقيقية أومتعثرة؟ وهل تتوقعون ديمقراطية حقيقية على أيدي حلفاء البرزاني الجدد من البعثيين من أمثال أياد علاوي، وطارق الهاشمي، وصالح المطلك، وظافر العاني، أو من مقتدى الصدر الذي هو نسخة مصغرة من معمر القذافي من حيث عقليته، وتقلبات مزاجيته، وجهله بالسياسة؟ ويعرف الجميع أن مقتدى ما كان أن يحتل هذا الموقع كزعيم لتيار سياسي لولا التخلف الاجتماعي الذي يولي الاهتمام إلى النسب في القيادة أكثر مما يوليه للكفاءة، فلولا أنه نجل السيد محمد محمد الصدر لما سمع به أحد.

وبالمناسبة، فالسيد مقتدى هذا منفذ لأوامر مرجعه الديني، آية الله السيد كاظم الحائري، المقيم في قُم، والذي أفتى قبل أيام بعدم جواز التصويت للعلماني. والسيد مقتدى هو هراوة يستخدمها النظام الإيراني لابتزاز نوري المالكي وغيره من الزعماء السياسيين الشيعة ليشعرهم بحاجتهم إلى إيران في استقرار الحكم. فهل هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي تتأملونها من هؤلاء؟

ما أشبه اليوم بأيام ثورة تموز الأولى!

قلنا في مقال سابق أن ما يمر به العراق اليوم من أزمات يشبه إلى حد كثير ما مرَّ به أيام ثورة 14 تموز، وبينا نقاط التشابه والاختلاف. هذا الكلام أغاض الكثيرين من أنصار البرزاني وكتاب (جماعة أربيل)، فركزوا في ردودهم على نقاط الاختلاف فقط دون الإشارة إلى نقاط التشابه. لذا، فالسؤال الذي نطرحه على هؤلاء السادة هو: من هم جماعة أربيل؟ أليسوا هم امتداد لنفس الكيانات السياسية التي تآمرت على ثورة 14 تموز وذبحت قيادتها الوطنية يوم 8 شباط الأسود 1963؟ هل نسي السيد مسعود بارزاني غلطة والده عندما تحالف مع نفس الكيانات السياسية (البعث وغيرهم) من أعداء ثورة 14 تموز، وبعد ثلاثة أشهر فقط من إنقلابهم الدموي، انقلبوا على الحركة الكردية، فقام الجيش العراقي بأمر من الحكومة البعثية بمجزرة السليمانية بقيادة اللواء صديق مصطفى؟ فلماذا يعيد برزاني الابن غلطة الأب الكارثية؟

وهل من الحكمة أن نصدق بحرص (جماعة أربيل) على الديمقراطية، وهي مدعومة من قبل السعودية وقطر وتركياً، إذ أفادت الأنباء أن السعودية دفعت (500 مليون دولار ثمن تواقيع سحب الثقة من المالكي)؟. فمتى كانت هذه الدول حريصة على الديمقراطية في دول المنطقة، ومصلحة الشعب الكردي بالذات؟

إن القاسم المشترك الذي وحَّد (جماعة أربيل) هو هدف آني واحد، وهو عداءهم للسيد المالكي، كعدائهم للزعيم عبد الكريم قاسم في الماضي، ورغبتهم الجامحة في إزاحته عن طريقهم، ولكن لكل منهم هدفه الخاص ما بعد المالكي، وفي تقاطع مع أهداف بعضهم البعض.

فأياد علاوي كل همه أن يصبح رئيساً للوزراء وبأي ثمن كان، حتى ولو تخلى عن كركوك ونصف الموصل. وغرض الأخوين النجيفي، هو تحويل الموصل إلى كانتون لهم بحماية تركية، وغرض مقتدى الصدر هو الانتقام من المالكي لقيامه بصولة الفرسان في البصرة ومدينة الثورة عام 2009، العملية الشجاعة التي أكسبت المالكي شعبية واسعة.

أما غرض السيد مسعود البرزاني من إزاحة المالكي فهو اعتقاده الجازم أن الدولة الكردية لن تتحقق إلا بتدمير العراق. وكمرحلة انتقالية، يعمل بارزاني على تهميش وإضعاف الحكومة الفيدرالية، وسحب الأضواء من بغداد، وتسليطها على أربيل، إلى درجة أنه طالب بعقد مؤتمر القمة العربية في أربيل بدلاً من بغداد لإظهار حكومة بغداد بأنها عاجزة، وغير مؤهلة لعقد مثل هذه المؤتمرات الدولية. وكذلك، يعمل على تفتيت القسم العربي من العراق، فنراه متحمساً لمشروع فيدرالية المحافظات لتحويلها إلى كانتونات هزيلة يسهل ابتلاعها من قبل دول الجوار، وبذلك يجعل الحكومة المركزية ضعيفة ومهمشة، لا حول لها ولا قوة. هذه الإجراءات هي انتقالية تبناها البرزاني في المرحلة الراهنة التي قد تستمر لخمس سنوات، وبعدها يأمل أن تتغير الأوضاع الدولية ليعلن دولته القومية المستقلة، ويقضم من أراضي الكانتونات العراقية كما يشاء وبسهولة.( للمقال بقية)

عبد الخالق حسين

مراجعة ملهم الملائكة