في الجزائر .. الصحافة الحرة مغامرة محفوفة بالمخاطر! – DW – 2023/1/5
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في الجزائر .. الصحافة الحرة مغامرة محفوفة بالمخاطر!

٥ يناير ٢٠٢٣

اعتقال الصحافي الجزائري إحسان القاضي يسلط الضوء على الأسلوب القمعي لتعامل القيادة الجزائرية مع الصحافة المحلية الناقدة، التي يزداد الضغط عليها وعلى العاملين فيها.

https://p.dw.com/p/4LhhA
مظاهرة ضد اعتقال الصحافي الجزائري خالد دراني في العاصمة الجزائرية 07.09.2020
يزاد تراجع حرية الإعلام والضغط على الصحافيين وضيق هامش الحرية المتاح لهم في الجزائرصورة من: Louiza Ammi/abaca/picture-alliance

يقبع الصحافي الجزائري إحسان القاضي في السجن منذ نهاية العام الفائت 2022، بتهمة "الدعاية لأحزاب أجنبية"، حسبما جاء في لائحة ادعاء النيابة العامة. ويتهم بأنه قام من أجل ذلك بجمع تبرعات بطرق غير شرعية من "أشخاص ومنظمات داخل وخارج البلاد". كما يتهم بأنه قد عرّض أمن الدولة والوحدة الوطنية للخطر.

وإحسان القاضي، مدير موقع "مغريب إميرجون" الإخباري الليبرالي وإذاعة راديو إم، يعتبر مراقبا ناقدا للسياسة الجزائرية. وقبل يوم من اعتقاله ناقش في أحد برامج راديو إم احتمال ترشح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لولاية ثانية. كما عبر عن شكوكه في جهود الحكومة لمكافحة الفساد.

الحبس سبع سنوات!

في يونيو/ حزيران الماضي تم الحكم علي إحسان القاضي بالحبس 6 أشهر، حيث رفع وزير إعلام سابق دعوى ضده بعد نشره مقالًا في آذار/ مارس 2021 على موقع إذاعة "راديو إم" التي تبث عبر الإنترنت، دافع فيه عن "حق حركة رشاد في المشاركة  في الحراك" الشعبي للمطالبة بالديموقراطية. وحركة رشاد هي منظمة إسلامية تنشط من خارج الجزائر وصنفتها السلطات منظمة إرهابية في أيار/ مايو 2021. وصحيح أن الحكم قد تم تأكيده من قبل محكمة الاستئناف، لكن المحكمة امتنعت عن حبسه. هذا الحكم لم يصب إحسان القاضي بالخوف وقال لصحيفة الشرق: "البلد والمواطنون يحتاجوننا، إذن سنبقى وسنخبرهم".

لكن الآن في القضية الجديدة والاتهامات الموجهة إليه، يمكن أن يحكم عليه بالسجن حتى سبع سنوات. وغداة توقيفه داهمت قوات الأمن  مقر "إنترفاس ميديا" الناشرة لـ "راديو إم" و"مغريب إميرجون"  في حضوره مكبل اليدين، وقامت بتشميع المقر والتحفظ على كل الأجهزة الموجودة فيه.

صورة لموقع الصحافي الجزائري إحسان القاضي على موقع تويتر
اعتقل الصحافي الجزائري إحسان القاضي بعد مناقشته مسألة ترشح الرئيس عبد المجيد تبون لولاية ثانية والتشكيك في جهود الحكومة لمكافحة الفسادصورة من: twitter.com/elkadiihsane

انتقادات من داخل وخارج البلاد

منظمات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان انتقدت بشدة اعتقال القاضي، ومن بينها مراسلون بلا حدود، التي جاء في بيان لها "بعد مسلسل طويل من الاضطهاد والمضايقات القضائية المتواصلة الرامية إلى إسكات واحد من المنابر الإعلامية الجزائرية القليلة التي مازالت منفتحة على النقاش والنقد الحر، جاء أخيراً نبأ احتجاز إحسان القاضي". وقال ممثل المنظمة في شمال أفريقيا الصحافي خالد درارني، من حق إحسان القاضي أن يعبر عن رأيه ويمارس مهنته بحرية حسبما ينص عليه الدستور الجزائري، وأضاف "لن تكسب الجزائر شيئا إذا واصلت سياسة الرقابة هذه على الإعلام".

وأشار درارني في تغريدة إلى تزايد الضغط على حرية الإعلام في بلاد المغرب عامة. وهو نفسه حكم عليه بالسجن لثلاث سنوات بسبب تغطيته الصحفية لحركة الاحتجاجات في الجزائر، لكن تم إطلاق سراحه قبل إتمام العقوبة.

كما علق راديو إم على اعتقال مديره بالقول "الدفاع عن إحسان القاضي لا يعني التماهي معه" وأضافت الإذاعة على موقعها "إنه يعني الكفاح ضد عمل تعسفي يعد جزء من تراجع استبدادي عام". كما أطلقت الإذاعة حملة من أجل إطلاق سراحه.

ويلعب القاضي دورا صحفيا مهما في الجزائر، بحسب قول الباحث السياسي الجزائري الأصل رشيد عويصة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماربورغ في ألمانيا، ويضيف لـ DW: "من خلال راديو إم وموقع مغريب إميرجون، استخدم (القاضي) هامش الحرية البسيط المتاح للإعلام، الذي لا يزال موجودا في الجزائر والاتهامات الأخيرة لا أساس لها". ويتابع عويصة "الحكومة (الجزائرية) تعتبر حتى أكثر الانتقادات واقعية اتهاما موجها ضدها".

مظاهرة في الجزائر العاصمة 22.02.2019
احتجاجات الحراك كانت الدافع الرئيسي لاستقالة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفيليقةصورة من: Ammi Louiza/ABACA/picture alliance

اضطرابات سياسية

بدأ اعتقال القاضي على خلفية الاضطرابات السياسية التي تسود البلاد منذ أعوام، والتي وصلت ذروتها في عامي 2019 و2020 من خلال احتجاجات الحراك الشعبي، الذي انطلق في شباط/ فبراير 2019 حين أعلن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية أخرى. وقد ساهمت احتجاجات الحراك بشكل كبير في استقالة بوتفليقة في نيسان/ أبريل 2019. لكن النظام السياسي لم يتغير، واحتفظت القوى القديمة الحاكمة، وخاصة الجنرالات، بالسلطة. وفي الوقت نفسه فإن الحراك الذي يكافح من أجل قضايا أخرى مثل مكافحة الفساد والمحسوبية والديمقراطية والحريات المدنية، يعتبر تهديدا مباشرا لسلطة جزء كبير من قيادة الدولة.

وتتزايد مخاوف أجهزة السلطة، حيث إن الحكومة لم تستطع إثبات أي تقدم يذكر فيما يتعلق بمصالح الشعب ورفاهيته. وقد تعافى الاقتصاد الجزائري إلى حد ما بعد أعوام من الركود الذي تفاقم في ظل جائحة كورونا، حيث ازداد إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3 بالمائة وفق البنك الدولي عام 2021، واستمر الانتعاش الاقتصادي العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

بالإضافة إلى ذلك استطاعت الجزائر أن تثبت نفسها كمورد مهم للطاقة إلى أوروبا، ففي صيف العام الماضي زار كل من رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر وهو ما فعله أيضا في سبتمبر/ أيلول رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وكلهم بحثوا مسألة توريد الغاز من الجزائر إلى أوروبا.

مع العلم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تستطيع الجزائر أن تزيد انتاجها وتصدر الغاز إلى أوروبا، ففي النصف الأول من عام 2022 تراجع إنتاجها 18 بالمائة مقارنة بالعام السابق.

هكذا أدان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الصحفي خالد درارني

الضغط الاقتصادي

ويعني هذا بالنسبة لغالبية الشعب الجزائري، أن عليهم أن يتوقعوا تحسن أوضاعهم الاقتصادية على المدى البعيد. والآن يعاني كثيرون من ضغوط اقتصادية كبيرة في الجزائر. حيث ازداد التضخم وارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب حرب أوكرانيا أكثر من 10 بالمائة. والفقراء هم الأكثر معاناة، إذ إن 40 بالمائة من الأكثر فقرا يدفعون أكثر من نصف دخلهم من أجل تأمين حصولهم المواد الغذائية، حسب البنك الدولي.

كذلك في مجال التأهيل والتعليم لا تستطيع الحكومة الحديث عن تحقيق تقدم، حيث كانت نسبة الأمية عام 2022 أكثر من 18 بالمائة، حسب وكالة المعلومات الاقتصادية الألمانية للتجارة والاستثمار (GTAI). ويحاول كثير من الشباب الجزائري الهجرة إلى أوروبا.

وانطلاقا من هذه الظروف تتصرف السلطة بصرامة أكبر مع النشطاء والمعارضين، يقول رشيد عويصة لـ DW، ويضيف: "بالنظر إلى حقيقة أن الانتخابات ستجرى العام القادم، يزداد توترها وترد وتتفاعل أكثر مع النقد".

"عودة الشياطين"

ويشعر الصحافيون بذلك أكثر وقبل غيرهم،  وإحسان القاضي المعتقل هو مثال واحد من كثيرين. "انتهزت الحكومة احتجاجات الحراك ضدها واحتجاجات كورونا لزيادة الحد من حرية الصحافة"، حسب بيان لمراسلون بلا حدود. وأضاف البيان أن: "الملاحقة القضائية والاعتقال التعسفي ومضايقات المؤسسات الرسمية تجعل الصحافة الحرة محفوفة بالمخاطر في الجزائر". ولذلك فإن الكثير من وسائل الإعلام تحجم عن النقد السياسي لكي لا تفقد الإعلانات التي تشكل أساسها الاقتصادي، بحسب البيان.

وفي نيسان/ أبريل الماضي اضطرت الصحيفة الجزائرية اليومية الصادرة باللغة الفرنسية "Liberté" إلى التوقف عن الصدور، والسبب الرسمي المعلن هو قرار اتخذه الناشر. لكن في نص الوداع عبرت هيئة التحرير عن استغرابها للقرار وفي نفس الوقت عن قلقها من العودة إلى الزمن الذي اعتقدت أنه قد تم تجاوزه. وجاء في النص: "شياطين الأمس تعود بقوة كبيرة، بينما تختفي فضاءات الحداثة".

ويقول أستاذ العلوم السياسية رشيد عويصة إنه لا يمكن للمرء أن يتحدث عن صحافة حرة في الجزائر، وهو ما توصلت إليه مراسلون بلا حدود أيضا، حيث احتلت الجزائر المرتبة 134 من بين 180 دولة في ترتيب منظمة مراسلون بلا حدود الخاص بحرية الصحافة في العالم لعام 2022.

كرستن كنيب/ عارف جابو