مفاوضات الساسة العراقيين بين نرجسية الأحزاب وآمال الشعب

اتسعت الاتصالات بين القادة العراقيين من مختلف الطوائف والاعراق سعيا للوصول الى حكومة وحدة وطنية. وتزامنت هذه الاتصالات مع استمرار الضغط الشعبي في الشارع احتجاجا على نتائج الانتخابات او دعما لها. فقد ذكر مصدر في مكتب الرئيس جلال طالباني ان "رؤساء القوائم الانتخابية الفائزة في الانتخابات ستلتقي اليوم الاربعاء 28 ديسمبر/ كانون الأول في منتجع سد دوكان (السليمانية في شمال العراق) في مساع لتقريب وجهات النظر وحل الاشكالات التي حصلت بعد اعلان النتائج الاولية في محاولة لتشكيل الحكومة العراقية". واشار المصدر نفسه الى ان الاجتماع الذي ينعقد برعاية طالباني سيضم كل من مسعود بارزاني (زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني)، ورئيس لائحة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية عبد العزيز الحكيم، ورئيس الوزراء السابق ورئيس القائمة الوطنية العراقية اياد علاوي (شيعي ليبرالي)، ورؤساء جبهة التوافق العربية (سنية) بالاضافة الى صالح المطلك رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني (سني). لكن هيوا عثمان المستشار الصحافي للرئيس طالباني اوضح لوكالة فرانس برس ان اللقاء المرتقب اليوم في السليمانية "سيضم فقط الرئيس العراقي وزعيم لائحة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية عبد العزيز الحكيم".

مشاورات في أبو ظبي؟

ولا تقتصر مشاورات القوى السياسية على داخل العراق، فقد ترددت أنباء عن أن العاصمة الاماراتية ابوظبي ترعى هي الاخرى مفاوضات بين اطراف عراقية للخروج بحكومة وحدة وطنية بهدف تجنب الازمة السياسية التي نجمت عن الانتخابات. وأشارات بعض الانباء عن مصادر عراقية الى ان "مستشار الامن القومي العراقي موفق الربيعي ممثلا عن قائمة الائتلاف الشيعية، وعدنان الباجه جي (سني ليبرالي) ممثلا عن القائمة العراقية الوطنية، ومحمد بحر العلوم عضو مجلس الحكم السابق (شيعي معتدل)، اضافة الى ممثل عن قائمة التحالف الكردستانية سيعقدون اليوم أيضا اجتماعا في مركز الامارات للدراسات الاستراتيجية" في ابو ظبي. ولدى محولتنا التوقف على حقيقة هذه المفاوضات، أكد لنا مصدر عراقي مسؤول أنه لا يستطيع أن ينفى أو يؤكد مثل هذه الانباء، لكنه أكد "أن القوى السياسية العراقية في حالة تشاور دائمة للخروج بحل يرضي كافة الاطراف ويصب أولا وأخيرا في مصلحة الشعب العراقي بكافة ألوانه وأعراقه."

تحرك تحت ضغط الشارع

تجري هذه الاتصالات تحت ضغط التحركات الشعبية المعارضة للنتائج غير النهائية للانتخابات التشريعية الاخيرة. ففي بغداد ورغم تحذير قائمة الائتلاف الشيعي من الاستمرار في التظاهر للضغط على المفوضية المستقلة المشرفة على الانتخابات، شهدت العاصمة العراقية أمس الثلاثاء تظاهرة حاشدة ضمت الرافضين للنتائج الاولية للانتخابات. وتجمع الاف المتظاهرين وفق مراسل فرانس برس في وسط بغداد وساروا، وسط اجراءات امنية مشددة قامت بها مغاوير وزارة الداخلية العراقية، وهم يحملون لافتات كتب عليها "مرام تقول لا للمفوضية المتحيزة ولا لتقسيم العراق" في اشارة الى "مؤتمر رفض انتخابات مزورة" او اختصارا "مرام". وبات هذا التجمع يضم 42 مجموعة سياسية سنية وشيعية علمانية بدل 35 فقط عند تاسيسه. كما حمل المتظاهرون يافطات كتب عليها "نطالب باعادة وتنظيم الانتخابات وتغيير المفوضية" و"التسرع في اعلان نتائج الانتخابات دليل على زيفها". وهتف المتظاهرون "بالروح بالدم نفديك يا عراق" و"ايران بره بره خلي بغداد تبقى حرة" و"الله اكبر" و"لا شيعية لا سنية، وحدة وحدة اسلامية" و"كلا كلا للطائفية". وفي كلمة القاها على المتظاهرين قال صالح المطلك رئيس قائمة الجبهة العراقية للحوار الوطني (سني) "تظاهرتكم رسالة سلام الى كل الاطراف السياسية لكي تتحالف وتتآلف وتعيد النظر بالانتخابات المزيفة وتعيد الامن والاستقرار لهذا البلد من اجل بناء العراق فتشكل حكومة وحدة وطنية من كل اطياف الشعب العراقي". وقد نظمت مظاهرات مماثلة في تكريت وكركوك.

مظاهرات مؤيدة للانتخابات

مقابل التظاهرات التي نظمت في بغداد ومدن الشمال نظمت أيضا مظاهرات في الجنوب الشيعي مؤيدة للنتائج الاولية للانتخابات العراقية في خطوة تجسد حالة الانقسام الطائفي الذي انعكس، شئنا أم أبينا، على المناخ السياسي والموقف من الانتخابات في البلاد. فقد شهدت مدينة كربلاء الشيعية (365 كلم جنوب بغداد) بعد ظهر الاثنين تظاهرة مؤيدة لنتائج الانتخابات. وحمل مئات المتظاهرين صور المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني وصور رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري وهم يرددون هتافات ترفض الدعوات لاعادة الانتخابات. كما حملوا لافتات منها "كلا لسرقة نتائج الانتخابات".

العنف بالمرصاد

يخشى العراقيون ان تندلع موجة جديدة من أعمال الارهاب والقتل والاختطاف اذا لم تتمكن القوى السياسية المتفاوضة من التوصل الى تسوية ترضي جميع الاطراف. وكان عدد من زعماء السنة قد حذر من انه اذا لم تتحقق مطالبهم باعادة الانتخابات فان الجماعات المتمردة سوف تفقد صبرها وتصعد من هجماتها. غير أن سياسيين من السنة واصلوا خلف الستار الحديث مع منافسيهم ويبدو انهم يناورون من اجل السلطة اكثر من محاولة اخراج عملية تشكيل الحكومة الجديدة عن مسارها. ويشارك دبلوماسيون امريكيون ايضا بصورة وثيقة في محاولة لكسر الهوة بين الاطراف المتنافسة بشكل يسمح بتشكيل حكومة مستقرة تتمتع باجماع يمكن ان تعيد الاستقرار للبلاد وتسمح لواشنطن بالبدء في سحب قواتها التي يبلغ عددها 160 الف جندي من العراق.

دويتشه فيله + وكالات