مقتل رشا الحرازي.. صحفيو اليمن في مرمى نيران أطراف الصراع – DW – 2021/11/22
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مقتل رشا الحرازي.. صحفيو اليمن في مرمى نيران أطراف الصراع

٢٢ نوفمبر ٢٠٢١

أثار مقتل الصحفية اليمنية رشا عبد الله الحرازي مخاوف زملائها الصحفيين على حياتهم وسط تردي الأوضاع الأمنية وانتهاكات حرية الإعلام في هذا البلد الفقير خاصة وأن الصحفيين في اليمن يتعرضون لملاحقات من مختلف أطراف الصراع.

https://p.dw.com/p/43FiI
صورة تجمع الصحفية اليمنية القتيلة رشاء (اليسار) مع صديقتها أسماء (يمين) التي أجريت DW مقابلة معها عبر الهاتف.
صورة تجمع الصحفية اليمنية القتيلة رشاء (اليسار) مع صديقتها أسماء (يمين) التي أجريت DW مقابلة معها عبر الهاتف.صورة من: privat

 

في صباح الثلاثاء الماضي( التاسع من نوفمبر/تشرين ثان 2021)، كانت الصحفية اليمنية رشا عبد الله الحرازي وزوجها الصحفي محمود العتمي يعتزمان التوجه إلى مستشفى عدن لإجراء فحوصات طبية على حالة رشا الصحية، إذ كانت حاملا في شهرها التاسع.

بيد أنه بمجرد استقلالهما السيارة انفجرت سيارة مفخخة لتلقى رشا حفتهامع جنينها فيما أُصيب زوجها العتمي بجروح بالغة نقل على إثرها إلى المستشفى لكن كُتب له النجاة.

وبنبرة يغلبها الحسرة والأسرى، تقول الصحفية أسماء – وهي صديقة مقربة من رشا وزوجها – "كانت رشا شابة جميلة، لم يرد على خاطري أبدا أنها قد يمكن أن تصبح ضحية لهجوم".

وبسبب الهاجس الأمني، لم ترغب أسماء في الكشف عن اسمها الحقيقي.

وقبل الجريمة، كان الصحفي محمود العتمي يعمل مراسلا لقناة العين الإماراتية وأيضا يعمل لصالح وسائل إعلام سعودية، إذ انتقد الحوثيين وقام بتوثيق انتهاكات لحقوق الإنسانوخوفا على سلامتهما، قررا الزوجان مغادرة العاصمة والانتقال إلى عدن.

ويرجح المراقبون أن التفجير كان يستهدف العتمي الذي نجا من الهجوم الذي ألحق به إصابات جسيمة فيما سيتعين عليه الاعتناء بالابن الأكبر جواد الذي كان برفقة جده وجدته عند حدوث التفجير.

مسلحون حوثيون ينتشرون في شوارع العاصمة صنعاء (أرشيف)
مسلحون حوثيون ينتشرون في شوارع العاصمة صنعاء (أرشيف)صورة من: Hani Al-Ansi/dpa/picture alliance

لم تتمالك أسماء – في منتصف العشرينيات - نفسها وهي تتذكر صديقتها رشا، إذ غلب عليها البكاء، مضيفة "ما زلت لا أستطيع أن أستوعب الذي حدث ولا أفهم كيف تم قتل رشا بهذه الطريقة الوحشية. كانت تعمل أحيانا كمصورة صحفية أو أحيانا ترافق زوجها خلال عمله الصحفي".

التهديد يأتي من مختلف الأطراف

ويشهد اليمن منذ قرابة سبعة سنوات حربا مدمرة تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.

ويدور الصراع في اليمن بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية منذ 2015 من جهة، وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران ويسيطرون على مناطق عديدة في البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء منذ بد هجومهم عام 2014.

أما مدينة عدن الواقعة على بعد حوالي 400 كيلومتر جنوب صنعاء، فقد أصبحت تدار من قبل فصيل انفصالي يعرف بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات منذ 2020 فيما ينخرط عناصره في اشتباكات بين الحين والآخر مع القوات الحكومية التي تسيطر على جنوب البلاد.

وعلى وقع هذا الوضع المتردي، أصبحت مدينة عدن بؤرة للصراع منذ انتقال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا إليها.

كذلك تسعى جماعات إرهابية مثل القاعدة أو "داعش" إلى إيجاد موطئ قدم لها في اليمن وسط حالة الفوضى التي تسود البلاد.

ومع تردي الوضع الأمني في اليمن، أصبح وضع الصحفيين في هذا البلد الفقير شديد الخطورة، كما أكدت أسماء.

أصبحت الحياة خطيرة في مدينة عدن خاصة للصحفيين
أصبحت الحياة خطيرة في مدينة عدن خاصة للصحفيينصورة من: Wael Qubady/AP Photo/picture alliance

وتابعت إن "الصحفيين اليمنيين باتوا مستهدفين من كافة الفصائل السياسية. إذا اتخذ أي صحفي موقفا سياسيا واضحا في عمله الصحفي، فعليه أن يتوقع أيضا أن يتم استهدافه أو قتله أو اعتقاله".

غياب الحماية للصحفيين

وفي تعليقه على هذا الوضع، قال كريستوفر ريش – الناطق باسم منظمة "مراسلون بلا حدود" في برلين – إنه غالبا ما "يُنظر إلى الصحفيين باعتبارهم جزءا من أحد أطراف الصراع ولا يُنظر إليهم كمراقبين مدنيين". وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، أضاف "نتيجة لذلك، فإن الصحفيين في اليمن لا يتمتعون بأي حماية".

وتدل الأرقام على هذا الوضع المأساوي الذي يواجه الصحفيون في اليمن إذ يقبع هذا البلد الذي مزقته الحروب، في المرتبة الـ 169 من أصل 180 بلدا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود.

ووفقا للمنظمة، فقد قُتل أربعة صحفيين على الأقل خلال العام الجاري حيث لقي ثلاثة صحفيين مصرعهم في هجوم على موكب تابع لمحافظ عدن في العاشر من أكتوبر / تشرين الأول فيما أصبحت رشا الصحفية الرابعة.

ووفقا لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك، فقد قُتل ما لا يقل عن 19 صحفيا في اليمن منذ عام 2014. ولا يتوقف الأمر عند مستوى استهداف الصحفيين، بل لا يزال هناك العديد منهم رهن الاعتقال في الوقت الحالي.

من قتل رشا الحرازي؟

الصحفيون في اليمن مستهدفون من مختلف أطراف الصراع (تعز 2/1/2021)
الصحفيون في اليمن مستهدفون من مختلف أطراف الصراعصورة من: Ahmad Al-Basha/AFP

وفيما يتعلق بالوضع في عدن، قال ريش إن الصحفيين الأربعة الذين قتلوا في اليمن هذا العام، كانت عدن مسرحا لنهاية حياتهم، مضيفا "هناك تقارير أشارت إلى أن الحوثيين مسؤولون عن هذه الأفعال إذ يحاولون بسط سلطتهم إلى هذا الجزء من البلاد".

وأشار إلى أن الحوثيين ليسوا الجهة الوحيدة التي تعتقل أو تصدر أحكاما بالإعدام بحق الصحفيين إذ أن الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي يقومان بملاحقة الصحفيين واستهدافهم.

ونفى الحوثيون أي مسؤولية عن الهجوم الذي استهدف رشا وزوجها. ولم تتضح الجهة التي تقف خلف الهجوم، لكن العتمي اتّهم الحوثيين بالوقوف خلف التفجير. وقال في اتصال مع فرانس برس "كانوا يبحثون عن عنوان منزلي بحسب ما وصلني من معلومات".
 

أسماء شددت على أنها لن تتخلى عن قضية اغتيال رشا. وكانت تعمل أسماء كصحفية إذ قامت بتغطية التطورات في العاصمة صنعاء لصالح وسائل إعلام مختلفة بينها وسائل إعلام أجنبية لفترات طويلة.

بيد أن عملها الصحفي أصبح مقلقا، مضيفة "لكن في النهاية، لم يعد بإمكاني مغادرة المنزل وأنا أحمل الكاميرا، ناهيك عن إجراء مقابلات مع الناس في الشارع. لقد أصبح الوضع خطيرا للغاية".

وفي مقابلة عبر الهاتف مع DW، قالت "كان بإمكاني العمل في أمان فقط إذا حصلت على تصريح لممارسة عملي الصحفي، لكن لكي أحصل على هذا التصريح، يتعين أن يكون عملي الصحفي منحازا سياسيا لطرف دون آخر. لكني رفضت ذلك، فقد كانت تقاريري دائما متوازنة".

الهروب والعيش في المنفى، ولكن؟

وما زاد من صعوبة عمل الصحفيين في اليمن استمرار القتال والتفجيرات وتردي الوضع الاقتصادي والإنساني مع تدني أجور الصحفيين خاصة مع إغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية.

وفي مواجهة التهديدات والأوضاع الاقتصادية والإنسانية، لم يعد أمام الصحفيين في اليمن سوى الهروب والعيش في المنفى رغم صعوبة مثل هذا القرار.

وفي حالة التمكن من الهروب، فإن ليس من السهل على الصحفيين العثور على فرصة عمل في الخارج فيما يجهلون أيضا ماذا سيكون مصيرهم إذا فكروا في العودة إلى اليمن.

ورغم كل هذا، قررت أسماء مغادرة اليمن، مضيفة "لم أعد أشعر بالأمان، كما لم أستطع تحمل هذا الكم الكبير من المعاناة والبؤس خلال عملي كمراسلة. لسنوات، كان عملي الصحفي يدور حول الموت والعنف وكان لهذا الأمر مردودا على حالتي النفسية. لذا أحتاج إلى بعض الراحة كي اعتني بصحتي النفسية".

أما الصحفي محمد - الذي طلب عدم الكشف عن هويته – فقد قرر هو الآخر مغادرة صنعاء برفقة أسرته، لكن إلى مكان أخر في اليمن وليس خارجها. وقال "لم أعد أستطيع تحمل الضغط النفسي في صنعاء، فقد تم القبض على العديد من أصدقائي وزملائي وصدرت أحكاما بالإعدام ضد البعض منهم. لقد انتهى الأمر بي بالبقاء في المنزل خوفا على حياتي وحياة أسرتي". وفي مقابلة مع DW، لخص محمد الوضع الذي يعيش فيه الصحفيين في صنعاء بقوله "يغيب صوت الحرية عن صنعاء منذ فترة طويلة".

"ضرورة الحصول على مكان آمن"

وتنتقد أسماء ومحمد غياب أي حماية قانونية للصحفيين في اليمن رغم أنهم يخاطرون بحياتهم.

يشار إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد صوت في مطلع أكتوبر / تشرين الأول ضد تمديد ولاية فريق الخبراء البارزين المعني باليمن. ووصف بيان منسوب إلى الفريق هذه الخطوة بأنها "نكسة كبيرة لجميع الضحايا الذين عانوا من انتهاكات جسيمة خلال النزاع المسلّح المستمر والمحتدم على مدى أكثر من ست سنوات في اليمن".

وكان الفريق قد رصد الهجمات والانتهاكات في اليمن فيما أدانت منظمات هذا القرار باعتبار أن الفريق يعد بمثابة أداة حاسمة لمحاسبة الأطراف اليمنية بما في ذلك المتورطة في جرائم حرب.

وفي ظل غياب أي حماية للصحفيين في اليمن، عجزت أسماء عن طرح أي فكرة قد تساهم في مساعدة الصحفيين في اليمن، مضيفة "كي أكون صادقة في الرأي كافة الأحزاب السياسية مجرمة لأنهم جميعا يحملون السلاح، لذا فهم جميعا يهددون الصحفيين ويقيدون عملنا وحرية الصحافة".

ورغم ذلك، تدعو أسماء إلى تقديم الدعم النفسي للصحفيين في اليمن وهو الأمر الذي شدد عليه أيضا كريستوفر ريش من منظمة "مراسلون بلا حدود". وأضاف "يجب أن تتوفر إمكانية أمام الصحفيين في مغادرة اليمن بأمان في حالة وجود تهديد خطير على حياتهم والعثور على ملاذ آمن في بلد آخر، على سبيل المثال ألمانيا".

أما أسماء، فهي لا تستطيع الجزم بموعد عودتها إلى اليمن إذ أن مقتل صديقتها رشا أبعد عنها أي احتمالية في العودة في المستقبل القريب.

جنيفير هوليس / م ع