هل تقف حنكة الرئيس"الشيخ" في عقبة شباب تطاوين؟ – DW – 2017/5/11
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تقف حنكة الرئيس"الشيخ" في عقبة شباب تطاوين؟

منصف السليمي
١١ مايو ٢٠١٧

كثيرا ما يوصف الرئيس الباجي قايد السبسي بـ"الشيخ الحكيم" الذي يقود بلد ثورة الشباب. لكن تدابير الرئيس التونسي الأخيرة في مواجهة احتجاجات منطقة تطاوين تكشف وجود فجوة عميقة بين الحكم والشباب.

https://p.dw.com/p/2cp3n
Tunesien Besuch Merkel PK mit Beji Caid Essebsi
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Stache

إعلان الرئيس التونسي باجي قايد السبسي في خطاب "موجه للأمة" تدابير أمنية واقتصادية جديدة لاحتواء الاحتجاجات الشبابية في منطقة تطاوين الواقعة جنوب البلاد بين فكي الحدود مع الجزائر ومع ليبيا المضطربة، لا يبدو أن التدابير المعلنة تُطفئ غضب المحتجين فشعارهم"#الرَّخ لا" ما يزال الأعلى صوتا في المنطقة لا بل إنه ينذر باتساع الاحتجاجات لتشمل مناطق أخرى.

"#الرَّخ لا" هاشتاغ انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وهي عبارة يرددها الشباب المعتصمون منذ شهر تقريبا في بلدة الكامور، نقطة عبور معظم شاحنات شركات النفط والغاز الناشطة في الصحراء التونسية، وتبعد قرابة 110 كيلومترا عن مركز محافظة تطاوين. تعني هذه العبارة أن المحتجين لن يتراجعوا ولن "يُرخوا" الحبل في مواجهة الحكومة.

تكليف الرئيس قايد السبسي الجيش بـ"حماية المنشآت الحيوية للثروات الطبيعية لتفادي وقف الإنتاج مجددا خلال أي احتجاجات"، خطوة أقدم عليها وهو "يعي أن القرار خطير ولكن يتعين تطبيقه لحماية موارد البلاد التي قال إن مسيرة الديمقراطية فيها أصبحت مهددة" كما يقول قايد السبسي.

مؤشرات عديدة تدعم مخاوف الرئيس التونسي، فالديمقراطية الناشئة تتعرض لتحديات كبيرة أمنية واقتصادية واجتماعية، ناهيك عن وجود البلد في محيط مضطرب. فبعد ست سنوات صعبة اقتصاديا منذ الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، باتت كلفة الاحتجاجات الاجتماعية باهضة جدا على الاقتصاد الذي يتعافى بالكاد.

الرئيس "الشيخ" في مواجهة مطالب الشباب

صحيفة "لوموند" الفرنسية النافذة في فرنسا والعواصم المغاربية، وصفت خطاب السبسي بأنه "محاولة مضنية لطمأنة بلد قلق ومضطرب"، وفي العاصمة تونس لا تخفي النخب السياسية والاقتصادية النافذة قلها من تفاقم الاحتجاجات في بلد يعاني عجزا ماليا كبيرا ويحاول جاهدا إقناع المؤسسات المالية الدولية وشركائه الأوروبيين بتمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تجفيف منابع التطرف والإرهاب والهجرة غير الشرعية في البلاد المصنفة من أكثر دول المنطقة تصديرا للجهاديين إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط.

لكن وصفة الرئيس السبسي ذو 91 عاما والذي يوصف بـ"الشيخ المحنّك"، لحل الأزمة الاجتماعية القائمة في تونس، يبدو أنها تصطدم برفض جماعات الشبان المحتجين ومعهم طيف واسع من المجتمع المدني. وبرأي محللين فإن استمرار الأزمة يؤشر إلى فجوة عميقة بين تصورات الحكم في تونس وانتظارات الشباب خصوصا في المناطق الفقيرة، فما حقيقة هذه الفجوة وكيف تحدث في بلد تحكمه مؤسسات منتخبة ديمقراطيا، ويرى فيها المجتمع الدولي استثناء من دول الربيع العربي، بل حصل قادة المجتمع المدني فيها جائزة نوبل للسلام؟

Tunesien Armee Symbol
تكليف الجيش بحماية المنشآت تنطوي على مجازفةصورة من: F.Belaid/AFP/Getty Images

"إقحام الجيش مجازفة"

ردود الفعل في تونس على الإجراءات المعلنة من قبل الرئيس قايد السبسي تأخذ أبعادا متعددة، بعضها صدر من المعارضة، التي تنتقد إقحام الجيش في قضايا اجتماعية. الرئيس السابق منصف المرزوقي قال في تغريدة له على تويتر بأن "إقحام الجيش في نزاعات ذات صبغة نقابية سياسية خطّ أحمر".

منتقدو قرار الرئيس السبسي ينطلقون من ضرورة الحفاظ على الدور الحيادي والاحترافي للجيش إزاء الصراعات السياسية الداخلية، ويستندون في ذلك على أن التزام الجيش بهذا الموقف هو واحد من أسباسب نجاح الثورة التونسية. لكن وجهة نظر حكومة الإئتلاف الوطني، التي يقودها نداء تونس بتحالف مع حزب النهضة، ترى أن البلاد بحاجة إلى حلول أمنية "حازمة" في مواجهة المخاطر التي تهدد الديمقراطية الناشئة واقتصاد البلاد الذي بات في وضع حرج جدا بسبب تصاعد الاحتجاجات وتعطيل الإنتاج.

وتكتسي طريقة الاحتجاجات أساليب تؤدي إلى إيقاف مناجم الطاقة وحقول البترول والغاز أو تعطيل نقل منتوجاتها إلى الموانئ. وقد أوضحت هالة شيخ روحه وزيرة الطاقة التونسية أن الإيرادات النفطية هبطت من ثلاثة مليارات دينار تونسي (1.24 مليار دولار) في 2010 إلى مليار دينار (413.96 مليون دولار) في 2016، وأشارت بأن الاحتجاجات وضعف الاستثمارات يتسبب في نزيف حاد لاقتصاد البلاد.

وباءت محاولات وفود حكومية للتفاوض مع المحتجين بالفشل، ولا يبدو أي مؤشر على انفراج قريب. فقد تعهد المحتجون بمواصلة اعتصامهم في منطقة الكامور وسط دعوات لاحتجاجات أخرى، بينما شرعت وحدات من الجيش بالتمركز أمام مناجم الفوسفاط في جنوب غرب البلاد بولاية قفصة والمتلوي، وأمام حقوق البترول والغاز في أقصى جنوب البلاد، حيث تشكل حوالي 80 في المائة من إنتاج تونس من المحروقات.

ويطالب المعتصمون في تطاوين بتخصيص نسبة 70 بالمائة من الوظائف بالشركات البترولية في تطاوين لسكان الولاية، ونسبة 20 بالمائة من عائدات النفط لتنمية المنطقة. وهو ما اعتبره الرئيس قايد السبسي في خطابه بأنها مطالب "تعجيزية".

Tunesien Tunis Proteste gegen Straferlass Korruption
ناشطة تونسية تقود احتجاجا على سياسة "اللاعقاب" إزاء المتورطين في قضايا فساد صورة من: picture-alliance/dpa/M. Messara

فجوة بين نخبة السلطة وتطلعات الشباب

لا يخلو خطاب الحكومة التونسية من منطق، لكن لماذا لا يقنع الشباب المحتجين، كما لم يقنع مجموعات أخرى خاضت احتجاجات في مناطق أخرى من البلاد طيلة السنوات القليلة الأخيرة. وليست احتجاجات ولاية تطاوين الأولى من نوعها بل شهدت مناطق أخرى فقيرة أو مهمشة في غرب البلاد وجنوبها تحركات مشابهة، وذلك على امتداد السنوات الست التي أعقبت الثورة، ومن أشهر تلك الاحتجاجات حملة أطلقت تحت شعار"وينو البترول" للمطالبة بمحاسبة الذين يستغلون ثروات البلاد. وتقول مصادر حكومية إن الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2017 شهدت أكثر من ألف احتجاج في مناطق مختلفة من البلاد، وهو رقم قياسي.

وتتسم معظم تلك الاحتجاجات بطابعها العفوي، وعدم وجود غطاء حزبي أو نقابي لها، وتتشكل في إطار تنسيقيات أو لجان محلية تضم في غالب الأحيان داخلها نشطاء وعاطلين عن العمل. ففي تطاوين مثلا يصل معدل البطالة في أوساط الشباب حاملي الشهادات الجامعية إلى حوالي 37 في المائة، وهو من أعلى معدلات بطالة حاملي الشهادات الجامعية في المناطق التي شهدت احتجاجات مثل قفصة والمتلوي والقصرين وسيدي بوزيد والكاف. وكانت هذه المناطق منطلقا للثورة على نظام بن علي سنة 2011، وبعد ست سنوات، لا يرى الشباب والفقراء في تلك المناطق مؤشرات على تغيير جوهري في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، كما يلاحظون استمرار التفاوت بين مناطقهم والمناطق التي حظيت بفرص أفضل للتنمية وذلك منذ إستقلال البلاد.

Proteste in Kasserine Tunesien
شهدت مدينة القصرين غرب تونس في يناير 2016 احتجاجات عنيفة صورة من: Reuters/A. Ben Aziza

ويعز محللون اقتصاديون الفجوة التنموية بين ما يعرف في تونس بـ"المناطق الداخلية" الفقيرة والمناطق الساحلية الغنية إلى نهج تنموي يركز الاستثمارات في الشريط الساحلي الشرقي والشمالي للبلاد على حساب المناطق الأخرى.

ولا تبدو حصيلة الحكومات الست التي عينت بعد الثورة، مُرضية لقطاعات واسعة من الشباب بالمناطق الفقيرة. وهو ما يمكن رصده من خلال الاحتجاجات المتواصلة والأشكال التي تأخذها. اذ تُظهر وجود فجوة بين نخب الأحزاب السياسية والبرلمانية والجماعات الإقتصادية والنقابية التي تهيمن على مؤسسات صنع القرار السياسي والاقتصادي، وبين فئات شبابية لها حضور في بعض هيئات المجتمع المدني أو هي توجد على هامش العملية السياسية بالكامل. وهو ما يفسر صعوبة حل المشاكل والاحتجاجات التي تشهدها البلاد من حين لآخر.

ولتأكيد فكرة انحياز النخبة الحاكمة لجماعات اقتصادية معينة، ينطلق بعض نشطاء المجتمع المدني والشبان المحتجين من المفارقة في عمل الحكومة حاليا، إذ يعيبون عليها حرصها الشديد على تمرير قانون مصالحة اقتصادية يهدف إلى إعادة تأهيل رجال أعمال فاسدين من عهد الرئيس الأسبق بن علي، بينما يتعثر تنفيذ برامج التنمية في المناطق الفقيرة، ومنها منطقة تطاوين التي تعتبر غنية بمواردها ولكن سكانها فقراء.

ويرى محللون بأنه إذا لم يحدث تغيير بنيوي في الحياة السياسية والاقتصادية، بشكل يؤدي إلى تمثيل أوسع وأكثر توازنا للفئات الاجتماعية التي توجد على هامش مؤسسات الدولة والاقتصاد، فإن الديمقراطية الناشئة ستتظل مهددة بأي اضطرابات اجتماعية أو سياسية.

الكاتب: منصف السليمي

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد