20 عاما فيسبوك..أي تأثير في العالم العربي سياسياً ومجتمعياً؟ – DW – 2024/2/4
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

20 عاما فيسبوك..أي تأثير في العالم العربي سياسياً ومجتمعياً؟

٤ فبراير ٢٠٢٤

يُصادف عام 2024 مرور 20 عامًا على إطلاق منصة فيسبوك، المنصة التي غيّرت طريقة تواصل الناس مع العالم. ونظرًا لانتشارها الواسع في العالم العربي، فقد كان لفيسبوك تأثير عميق على المجتمعات العربية، سياسياً واجتماعياً.

https://p.dw.com/p/4byoG
شعار موقع فيسبوك داخل عين
يرى خبراء أن فيسبوك أثر بشكل كبير على السياسة والاجتماع والثقافة في العالم العربي على مدار العقدين الماضيينصورة من: Ralph Peters/imago images

في الرابع من فبراير/ شباط 2004 أطلق مارك زوكربيرغ موقع فيسبوك. كان الهدف الأساسي هو التواصل بين الناس واستعادة الصداقات القديمة التي انقطعت بفعل تباعد الزمن والمسافات.

لكن المنصة تحولت تماماً خلال السنوات اللاحقة وأصبحت أهم وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، بل ونُشرت بشأنها مئات الدراسات والأبحاث التي اهتمت بالتأثير الذي أحدثه فيسبوك سياسياً واجتماعياً وثقافياً.

انتشار هائل في العالم العربي

بحسب الإحصائيات التي أعلنت عنها شركة ميتا المالكة لموقع فيسبوك، فإن أكبر دولتين في الشرق الأوسط والعالم العربي يستخدم مواطنوها موقع التواصل الاجتماعي هما مصر (42 مليون مستخدم) وتركيا (32.8 مليون مستخدم) وفي ليبيا يستخدمه 96.1% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 13 عامًا، فيما بلغت النسبة في الإمارات العربية المتحدة 88.9%.

وفي مصر، يرى أكثر من ثلث (نحو 35%) مستخدمي الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و55 عامًا أن فيسبوك هو شبكتهم الاجتماعية المفضلة، بينما يرى (31%) من المستخدمين في المغرب الأمر نفسه.

وفي مصر يتوزع المستخدمون من الجنسين بين 64% ذكور و36% إناث يتركزون في الشريحة العمرية من 18 إلى 34 عاماً بحسب إحصائيات عام 2021. أما في الإمارات فتبلغ نسبة المستخدمين الذكور 32.9% ومن الإناث 14.5% ويتركز هؤلاء في الشريحة بين 25 و 34 عاماً.

وفي المغرب تتركز الشريحة المستخدمة لفيسبوك بين 18 و 34 عاماً وأغلبها من الذكور وإن كان بفارق ضئيل. وفي تونس فإن غالبية مستخدمي الفيسبوك هم من الرجال، بنسبة 53.4%. ويُعد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 عامًا هم أكبر مجموعة مستخدمين، حيث يبلغ عددهم 2.2 مليون مستخدم.

وتشير تقارير شركة ميتا إلى أن قيمة استثماراتها في سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتوقع أن تبلغ 7.9 مليار دولار خلال عام 2024 وأن تبلغ قيمة حصيلة الإعلانات من المنطقة نحو 4.4 مليار دولار سنوياً.

ثورات "الربيع العربي".. ونقاط التحول

مع مرور عقدين على إطلاقه، يرى الخبراء أنه لابد من التفكير في تأثير فيسبوك العميق على المجتمعات العربية، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيا، ذلك أن المنصة التي اندمجت في الحياة اليومية للملايين، أصبحت في لحظة ما بمثابة وسيلة مساعدة لتغيير الواقع، ومع الوقت نفسه أصبحت سلاحاً ذو حدين لكل من السلطات والمستخدمين.

واحد من التأثيرات الهامة هو أن فيسبوك تحول في لحظة ما إلى منصة للأصوات التي كانت حبيسة أنظمة قمعية والتي كانت لا تصل عبر وسائل الإعلام التي تتحكم فيها وتديرها السلطات، ليأتي فيسبوك ويقدم مساحة لحرية التعبير والمعارضة. وقد تجلى ذلك خلال "ثورات الربيع العربي"، وخصوصاً في تونس ومصر وسوريا والجزائر، حيث أصبحت المنصة أداة للتنظيم وتبادل المعلومات والخبرات، كما عززت شعور الكثيرين من الشباب العربي بوحدة الهدف وأتاحت لهم التواصل بشكل مباشر.

يقول الباحث والمحلل الاستراتيجي التونسي منصور عيوني إن "فيسبوك واجه مسارات ساخنة في المنطقة العربية بدأت في 2010، وكانت النقطة الساخنة الأولى في مسار الموقع هي أحداث ما يسمى بالربيع العربي".

وأضاف في هذا السياق خلال حواره مع DW عربية أن "الموقع كان له تأثير اجتماعي وسياسي في اتجاهين، أولاً في مساعدة الفاعلين الشباب الذين تحركوا في أيام الثورة لتعريف الناس بالقضايا المختلفة وفي الاتجاه الآخر أثرت أعمال وأنشطة الشباب العربي في فيسبوك نفسه، حيث أصبحت المنطقة العربية من أكثر المناطق التي يتم استعماله فيها في العالم".

وأشار الخبير التونسي إلى تأثير تلك الأنشطة في خوارزميات الشبكة وفي طرق اشتغالها وهو ما أسماه بالهندسة الاجتماعية "من خلال تكوين غرف ومجموعات فيسبوك، وهي تقنية استعملها الشباب العربي لتنظيم اجتماعاته وتحركاته على الأرض بمعنى أنه تم استعمال شبكة افتراضية كان هدفها الأساسي أن تكون شبكة اجتماعية لأشخاص ليس لديهم روابط وثيقة في الواقع، فجاء الشباب العربي وأعطوا معنى وثيق للشبكة في علاقتها بالواقع وأصبح لفيسبوك أثر كبير في تحريك الواقع وارتباط به، بل أصبح هو نفسه يتأثر بالواقع".

جانب من المظاهرات الحاشدة التي اندلعت في مصر في يناير من عام 2011
استخدم الشباب والنشطاء في مصر موقع فيسبوك بكثافة لتنظيم الفعاليات وتبادل الأفكار خلال تظاهراتهم ضد نظام الرئيس الراحل حسني مباركصورة من: picture-alliance/dpa

وقال عيوني إن "نقطة التحول الثانية هي دخول أحزاب وحركات سياسية بمختلف أنواعها للدعوة لنفسها لتستعمل هذا الزخم، وشهدنا بعد سنوات الثورة استعمالات للفيسبوك في الدول العربية من أجل التأثير السياسي في الناس، كما تم استعماله بطرق غير أخلاقية مثل تشويه الخصم السياسي وافتعال الفتن، وفي تونس الكثير من الأمثلة على ذلك، ما حدا بالأنظمة والدول والحكومات لاتخاذ خطوات مختلفة مثل إنشاء هيئات شرطة متخصصة لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي لوقف مثل هذه الممارسات لكنها أيضاً كانت تقوم بتتبع السياسيين والنشطاء الذين تم سجن بعضهم بالفعل".   

أما اللحظة الحاسمة الثالثة في وضع فيسبوك فكانت ـ في رأي عيوني ـ هي اندلاع الحرب في غزة، "حيث شهد فيسبوك تحولات عنيفة من ناحية المصداقية ما جعل عدد ليس بالقليل إما يغادره أو يقلل من مشاركاته وخصوصاً من الفئة الأكبر سناً التي وجدت الكثير من القيود على منشوراتها".

تأثيرات اجتماعية وثقافية

ويرى الدكتور ناصر جابي استاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر أن فيسبوك أثر كثيراً على العلاقات الاجتماعية بين الناس، وأن تلك التأثيرات امتدت إلى مجالات متعددة منها السياسي وحتى العلاقات الإنسانية.

وقال في حواره مع DW عربية إن "فيسبوك الذي بدأ كوسيلة للتعارف بين الناس تحول مع الوقت إلى قوة ضاربة، ويتضح ذلك من طريقة استقبال الأنظمة السياسية له والتي كان لديها تجربة في مراقبة وسائل الإعلام التقليدية لكنها فجأة وجدت نفسها عاجزة عن مراقبة هذه الوسيلة الجديدة وكان لا بد لها من وقت حتى تتكيف مع هذه الوسائط الجديدة، حتى ظهرت القوانين الرادعة والمتشددة التي حدّت بشكل ما من نشاط مستخدميه، حيث أدى الأمر في بعض الأحيان للسجن لمجرد إبداء الرأي وهو ما حدث في مصر والجزائر مثلاً".

ويقول الخبير الجزائري إنه على الرغم من أن "فيسبوك نجح في أن يكون منصة تجمع الشباب العربي لتبادل الآراء والأفكار والخبرات وناقشوا من خلاله موضوعات لم يكن مخوّل لهم أن يطرحوها في وسائل الإعلام العادية، إلا أنه على الجانب الآخر أصبح يمارس رقابة مشددة على أنواع معينة من المحتوى السياسي، كما أصبح منصة لنشر الأخبار الكاذبة وحملات الكراهية وغيرها، ومع الوقت تحول إلى "مصيدة" تستغلها الأنظمة ضد نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية".

كما يرى الدكتور ناصر جابي أن هناك مشكلات جديدة بدأت في الظهور مع تزايد استخدام فيسبوك، "مثل وقوع مشكلات أسرية وتصاعد في نسب حالات الطلاق التي يكون لفيسبوك اتصالاً بها خصوصاً مع أسلوب التواصل الذي يصعب مراقبته".

وأشار الخبير الجزائري إلى مسألة انتشار ما يسمى بالذباب الإلكتروني والتي تعرض لها الكثيرون ممن يتصدون للعمل العام أو لديهم آراء سياسية مخالفة لتوجه الأنظمة "والتي يقوم عليها أشخاص وأحياناً برمجيات يقف خلفها مؤسسات داخل الدولة أو قوى معادية"، وأضاف أن "الأمر الإيجابي هو أن الناس مع الوقت تعلمت كيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة ومع الوقت تراجعت تلك الظواهر السلبية على فيسبوك خاصة مع اهتمام الشركة المالكة بوقف مثل هذه الممارسات".

مستقبل فيسبوك في العالم العربي

ورغم التضييقات التي يمارسها فيسبوك وعدم نجاحه بشكل كامل في وقف حملات الكراهية أو التشويه أو نشر الأخبار الكاذبة، إلا أن الدكتور ناصر جابي أبدى تفاؤلاً بمستقبل فيسبوك، وقال إنه مع الوقت "سيحدث تكيف من جانب المستخدمين وستتغير طريقة استعمال الناس له بما يعظم من الاستفادة منه دون حدوث ضرر لهم"، وقال إن "علينا ألا ننسى أنه تجربة لازالت جديدة ولاتزال تتطور مع مرور الوقت".

وأشار إلى أنه مع وجود موجات نزوح من شرائح عمرية مختلفة إلى منصات أخرى ربما تتسامح أكثر مع عرض الآراء المختلفة، ما يمكن أن يمثل خسارة للقيمة التي ارساها فيسبوك عند انطلاقه، "لكنه سيبقى الأكثر شعبية بالمقارنة مع الوسائط الأخرى التي ستتعرض في وقت لنوع مشابه من الرقابة، ما يجعل هذا المجال ساحة للصراع بين من وراء تلك المنصات والمتحكمين في اللعبة وبين المستخدمين".

يتفق مع ذلك الباحث والمحلل السياسي التونسي منصور عيوني الذي يرى أن "فيسبوك لايزال يحظى بتأثير وحضور يختلف حسب الأحداث والسياسات رغم أنه يواجه منافسة شديدة من الشبكات الأخرى في مسألة حرية التعبير عن الرأي"

وقال عيوني ان "إدارة فيسبوك قامت ببعض الخطوات التي نراها ناقصة لكنها في الاتجاه الصحيح، على سبيل المثال بعض المنشورات كانت تحذف دون نقاش او تحذير لكن الآن يتم إرسال إشعار يفيد بحذف الموضوع ويمكن للمستخدم استعادة المنشور بعد إرسال طلب توضيح أو تعقيب يتم إرساله إلى مؤسسة مستقلة تعاقد معها فيسبوك تقوم بالنظر في المنشور إذا لم يكن فيه أي تجاوز، كما أن فيسبوك أصبح يحذر بشكل متدرج من اتخاذ عقوبات بحق من يسيء استخدام المنصة وكلها أمور تدعو للتفاؤل".

وفيما يتعلق بالأخبار الزائفة قال إن فيسبوك يقوم بعمل كبير في هذا الإطار، كما أن الموقع يحاول تطوير أدوات التصدي لحملات التشويه السياسي والتشهير وهو يتجاوب بسرعة أكبر بمرور الوقت، وإذا كانت تلك التغييرات تسير ببطء الآن لكن على المدى الطويل سيتحسن الوضع".

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.