البرازيل والمونديال ومظاهرات الكادحين – DW – 2014/5/15
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البرازيل والمونديال ومظاهرات الكادحين

كاظم حبيب١٥ مايو ٢٠١٤

يحلل د.كاظم حبيب التظاهرات والاحتجاجات التي تجري في البرازيل متزامنة مع بطولة كأس العالم، وتحتج على إجرائها في هذا البلد .

https://p.dw.com/p/1C0Qk
Generalstreik in Brasilia
صورة من: DW/E.de Sá

العالم كله على موعد مع مباريات كأس العالم لكرة القدم التي ستبدأ أولى المباريات في 13/6/2014 بـمدينة "سانت باولو" بالبرازيل. وقد اقترن التحضير لهذه المباريات ولأول مرة بمزيد من المظاهرات الشعبية الاحتجاجية والتي لم تقتصر على العاصمة ري ودي جانيرو فحسب، بل امتدت إلى المدن البرازيلية الأخرى وشملت أوساطاً شعبية واسعة. والسؤال هو لِمَ هذه المظاهرات في وقت يعرف الجميع عن الشعب البرازيلي كونه من عشاق كرة القدم ومنتجي إبطالها، إضافة إلى حبه العارم للرقص، وخاصة السامبا، وإقامة الكرنفالات الأكثر شعبية ومشاركة والأوسع شهرة بالعالم؟

علينا ابتداءً أن نشير إلى حقيقة أن هذه المظاهرات الشعبية لم تبدأ مع قرار الموافقة على إقامة مونديال هذا العام بالبرازيل، بل سبقت ذلك بعدة شهور، ولكنها تضاعفت كثيراً واتسعت الحركة الاحتجاجية وحاولت الشرطة البرازيلية قمعها، مما أدى إلى تعاظم الحركة ووصولها إلى أوساط جديدة وانتشرت أخبارها.

يبلغ عدد سكان البرازيل 202,6 مليون نسمة (2014). يتوزعون عمرياً على النحو التالي: 0-14 سنة: 23,8%، 15-24 سنة: 16,5%، 25-54 سنة: 43,7%، 55-64 سنة: 7,6%، 65 سنة فما فوق: 7%. ومنه يتبين إن نسبة من هم في سن العمل تصل إلى 67,8% من مجموع السكان، علماً بأن نسبة النمو السكانية السنوية تبلغ 0,8%. وسكان البرازيل يتوزعون بنسبة 87% حضر و13% ريف، ويتقاسم اللإناث والذكور عدد السكان تقريباً. والمعلومات المتوفرة تشير إلى إن 107,3 مليون نسمة هم من القوى العاملة (2013)، وأن نسبة البطالة الرسمية تصل إلى 5,7% في العام 2013. وتشير الأرقام الرسمية أيضاً إلى إن معدل حصة الفرد الواحد من السكان من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 بلغ 12100 دولار أمريكي، وإن المديونية الخارجية للبرازيل بلغت في العام نفسه 475,9 مليار دولار أمريكي. وعلى وفق المعلومات العامة المتوفرة فإن نسبة البطالة بالبرازيل تبلغ أكثر من الرقم الرسمي بكثير، وهي تشمل بشكل خاص الجزء الأسود من الشعب البرازيلي الذي تبلغ نسبته 43,1% من مجموع السكان، في حين تصل نسبة البيض 47,7%، والسكان الآسيويين 7% على وفق إحصاء العام 2010. (راجع: The World Facebook, USA. 2014).

حكومة البرازيل حسنت الوضع الاقتصادي

تشير المعطيات المتوفرة إلى إن الدولة البرازيلية قد استطاعت خلال العقدين المنصرمين تحسين الأوضاع الاقتصادية والنهوض بالعملية التنموية وتقليص نسبة الفقر كثيرا، ولكن النسبة الأخيرة ما تزال عالية، إذ بلغت نسبة الفقراء المعدمين في العام 2012 7,5% من مجموع السكان وهو رقم حكومي، والرقم الحقيقي للفقراء يزيد عن ذلك بكثير. وإن معدل حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً لا يكشف بأي حال حقيقة الفجوة المتسعة باستمرار بين الفقراء والأغنياء من جهة ولا يكشف عن الفساد المالي المتفشي في بنية الاقتصاد والمجتمع وأجهزة الدولة البرازيلية. وإذ تتحسن المناطق التي يسكنها الأغنياء والمتخمين من السكان، تبدو مناطق سكن الفقراء والبيوت القصديرية أكثر بشاعة من ذي قبل. ومما يزيد الأمور سوءاً هو انتشار المخدرات والعنف والجريمة المنظمة.

يعتبر اقتصاد البرازيل واحداً من عشر اقتصاديات قوية بالعالم، ولكن هذا الاقتصاد يبدو منهكاً وبحاجة إلى تحديث وتجديد وخاصة في البينية التحتية، حيث لا تتوجه لهذا القطاع الاقتصادي المهم ولا للقطاعات الاقتصادية الأخرى استثمارات مالية جديدة وضرورية، مما يعيق تقدم الاقتصاد الوطني البرازيلي ويضعف القدرة على امتصاص القوى العاملة العاطلة والزيادات السنوية في القوى العاملة التي تدخل إلى سوق العمل البرازيلي. من هنا يتبين لنا بأن المجتمع بالبرازيل يعاني من ضعف النمو الاقتصادي وضعف الاستثمارات الضرورية في البنية التحتية وعموم الاقتصاد وارتفاع المديونية الخارجية واستنزافها لنسبة مهمة من الدخل القومي السنوي وارتفاع نسبة البطالة ونسبة عالية من الفقراء، رغم تحسنها بالقياس لعقدين سابقين، أي في العام 1994 حيث بلغ أكثر من 35 مليون إنسان، ونتيجة ذلك حصل تحسن مهم في نسبة وعدد أفراد الطبقة المتوسطة إلى مجموع السكان. ولكن الفجوة المتسعة في مستوى المعيشة ونوعية الحياة بين السكان الأغنياء والفقراء لصالح الأغنياء هي التي تثير المزيد من المتاعب للمجتمع وللدولة البرازيلية وللفقراء المعدمين، خاصة وإن ديون العائلات الفقيرة آخذة بالتفاقم وتزيد من حالة الإملاق في هذه النسبة العالية من فقراء المدينة والريف، وهي مقترنة بطبيعة السياسة الائتمانية والنزعة الاستهلاكية المتنامية والتي تشجعها الكثير من شركات الدعاية والحكومة البرازيلية ذاتها، إضافة غلى غياب سياسة عقلانية في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي والابتعاد كلية عن التفكير بالعدالة الاجتماعية التي يفترض أن تجد تعبيراً لها في سياسة الأجور وفي الخدمات التي تقدم للمجتمع، ومنها الخدمات الصحية والتعليمية والريف البرازيلي.

Stadien Fußball WM 2014 Brasilien Estádio Nacional de Brasília
صورة من: Getty Images

مديونية ونقص استثمارات ومونديال!

في مثل هذه الظروف المعيشية والمديونية الخارجية العالية ونقص الاستثمارات للبنية التحتية التي بدورها لا تساهم في تقليص البطالة والفقر القائم، تأخذ الحكومة البرازيلية على عاتقها إقامة المونديال في بلدها. وكان يمكن أن تكون الفرحة عارمة لدى الأوساط البرازيلية كافة لولا الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية البائسة التي تعاني الفئات الكادحة. إذ إن قرار إقامة المونديال بالبرازيل تطلب إقامة 12 ملعباً دولياً كبيراً لكرة القدم في أثنى عشر مدينة برازيلية كلف الخزينة البرازيلية مبالغ طائلة جداً، مع العلم بأنها سوف لن يستخدم أغلبها بعد الانتهاء من المونديال وستتحول إلى عبْ ثقيل على الميزانية العامة للدولة، سواء من حيث الإدامة والصيانة، أو إذا ما تركت دون استخدام فستنهار وستكون خسارة كبيرة. من هنا ينشأ هذا التذمر لدى الأوساط الشعبية، وخاصة الكادحة منها، لأن المبالغ التي تصرف على المونديال لا تجلب ربحاً مماثلاً للخسارة التي يتحملها الاقتصاد الوطني من جراء الصرف الكبير والباذخ على إقامة الملاعب وغيرها لسكان البرازيل، في وقت كان من الضروري توجيهها لتحسين وتطوير البنية التحتية وإيجاد فرص عمل ثابتة للعاطلين عن العمل. كما إن الرابح من إقامة المونديال هي الشركات الكبرى وليس الناس الفقراء والمعدمين. فالمبالغ التي تصرف على إقامة الملاعب تؤخذ من دافعي الضرائب ومن تلك الحصة التي يفترض أن توجه لصالح الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

إن احتجاج السكان الفقراء والمعدمين لا يتوجه صوب كرة القدم، عشيقة الشعب البرازيلي، بل ضد السياسات غير الحكيمة للحكومات المتعاقبة بالبرازيل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. لا شك في أن إقامة الملاعب الكروية ستسهم في تشغيل جمهرة من العاطلين على العمل مؤقتاً وتخفف من بطالة وفقر مجموعة غير قليلة ولكنها تبقى مؤقتة وبعدها تبدأ المعاناة ثانية لتلك العائلات أيضاً. إن شعب البرازيل يستخدم هذا التجمع الدولي من محبي الرياضة ليعلن إلى العالم الظروف القاسية التي يعيش تحت وطأتها الفقراء كافة. إنها مناسبة مهمة تستطيع البشرية كلها أن تعرف أوضاع الكادحين المزرية بالبرازيل. وقد أجبرت تلك المظاهرات رئيسة البلاد ديلما روسيف، (من أصل بلغاري)، على تقديم التزام أمام الشعب بأنها ستمارس سياسة جديدة تخفف من أوضاع الكادحين، وهي امرأة معروفة بنضالها السابق ووطنيتها، وهي عضوة في حزب العمال البرازيلي وكانت سجينة ثلاث سنوات في فترة الحكم الدكتاتوري. فهل ستفي بوعدها أم إن البرجوازية الكبيرة بالبرازيل ستمنع حصول ذلك مما سيثير موجات جديدة من المظاهرات والاحتجاجات.