حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية – DW – 2014/3/27
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية

عبد الخالق حسين٢٧ مارس ٢٠١٤

يرى د.عبد الخالق حسين أنّ سوء استخدام تكنولوجيا المعلوماتية المتطورة لأغراض لا تتعلق بالتنوير وإشاعة الحداثة ونشر المعرفة يضع العالم الإسلامي، وبالأخص الشعوب العربية، إزاء تحد خطير وفترة حرجة وخطيرة جداً تهدد بإبادتها.

https://p.dw.com/p/1BWVi
Libanon ISIL-Kämpfer
صورة من: Radwan Mortada

يعيش العالم الإسلامي، وبالأخص الشعوب العربية، فترة حرجة وخطيرة جداً تهدد بإبادتها. وهذا الخطر ناتج عن سوء استخدام تكنولوجيا الثورة المعلوماتية المتطورة من الفضائيات والشبكات العنكبوتية (الانترنت) ليس لأغراض التنوير والحداثة ونشر المعرفة، بل لنشر الكراهية والبغضاء والفتن الطائفية، مستخدمين الاختلافات الدينية والمذهبية وسيلة لتحقيق الأغراض اللئيمة والخبيثة.

ففي تقرير لفضائية البي بي سي العربية شاهدنا كيف يقوم رجال دين من السنة والشيعة باستخدام الدين المذهب لبث العداوات والبغضاء وإشعال الفتن الطائفية بين المسلمين. رجل ديني شيعي يشتم من على المنابر الرموز الدينية المقدسة عند أهل السنة، فينبري رجال دين سنة ليشتموا المعتقدات الشيعية ورموزهم على الفضائيات، فتتناولها مواقع التواصل الاجتماعي لتنشرها على نطاق واسع... وهكذا لا ندري إلى أي درك ينزل بهم الوضع.

كنا نعتقد أن رجال الدين، وكما هو مفترض، أن يكونوا نزيهين ومن أشد الناس حرصاً على السلم الاجتماعي وتماسك الأمة، وأن يعملوا على نشر روح التسامح وتقبل الآخر المختلف، وأن يتركوا اختلاف الناس في الدين والمذهب إلى الله وحده، وليس من حق أي إنسان أن يفرض نفسه حكَماً على الناس فيما يخص معتقداتهم الدينية. فالدين مسألة شخصية بين الإنسان وربه، ودور رجال الدين ينحصر في شرح أمور الدين وإرشاد المتدينين فيما استعصى عليهم فهمه، و نشر الأخلاق الحميدة، وتقديم النصائح المفيدة... إنما الدينة النصيحة، ولا إكراه في الدين.

ولكن مع الأسف الشديد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن هناك شريحة من رجال الدين هم أكثر شراً من الشيطان الرجيم. إذ لجأ هؤلاء إلى نبش كتب التراث ينهلون منها ما يشبع نهمهم في نشر التفرقة وتمزيق شمل الشعب الواحد مثيرين العداوة والبغضاء بينهم، معتمدين على روايات كتبت قبل مئات السنين، أغلبها مشكوك بصحتها لأنها وضعت من قبل مرتزقة من الوعاظ لإرضاء أولياء النعمة من السلاطين الجائرين.

شيوخ الكراهية على الفضائيات

ووفق ما بثته الفضائية البريطانية (بي بي سي العربية)، بالصوت والصورة هناك رجال دين من السنة والشيعة رضوا أن يقوموا بهذا الدور المشين لتمزيق شمل المسلمين وإشعال فتن طائفية ودفعهم للاقتتال فيما بينهم، ولا شك أن هذه دعوة لحروب الإبادة. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الشعب العراقي هو من أكثر الشعوب تضرراً من هذه الحملة الجنونية المنفلتة. ففي هذا البرنامج نتعرف على الشيخ محمد الزغبي (مصري سني) وآخر، الشيخ ياسر الحبيب (شيعي كويتي)، من أشد المتطرفين في هذا المجال. فياسر الحبيب يشتم رموزاً دينية مقدسة عند المسلمين بمن فيهم الشيعة، مثل السيدة عائشة، والخليفتين أبو بكر وعمر، ويفتري عليهم ويشتمهم بكلمات نابية تحاشت القناة ذكرها. أما الشيخ محمد الزغبي فهو يقوم بإثارة مشاعر المصلين، فبعد دعائه على هلاك اليهود، يوجه دعائه على الشيعة "الروافض": (اللهم عليك بالروافض، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم جمد الدماء في بطونهم وظهورهم، اللهم جمد الدماء في شيوخهم وأئمتهم.. اللهم سلط عليهم السرطان!). ثم يذرف دموع التماسيح على السيدة عائشة بما نالها من شتائم من المعتوه ياسر حبيب. والمشكلة أن كل شيخ لا يدعو على نظيره من الطرف الآخر، بل يخلط الحابل بالنابل، فالشيخ السني لا يستثني شيعياً في دعائه بهلاكهم جميعاً، ولا الشيعي يستثني سنياً بشتائمه البذيئة.

مقدم البرنامج عربي مسلم يعمل لصالح الفضائية البريطانية، بحث عن الذين يقفون وراء هذه الفضائيات التي راحت تتكاثر كالفطر في البلاد العربية وفي أوربا وخاصة في لندن. والصدمة الصاعقة التي يفاجئنا بها هي أن أغلب الممولين لهذه الفضائيات هم رجال أعمال كويتيين وراء قناة الصفا السنية. كما وهناك قناة سنية أخرى باسم (وصال) في لندن تبث باللغة الفارسية ضد النظام الإيراني، مدعومة من السعودية. وقناة شيعية (أهل البيت) يمولها شخص عراقي يدعى ثائر الدراجي في العراق.

فلماذا هذا الانفجار في بث الحقد الطائفي، ومن المستفيد منه و في هذا الوقت بالذات، أي بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، حيث تحاول الشعوب العربية والإسلامية النهوض والتخلص من تخلفها، وتبني الديمقراطية كأفضل نظام للحكم واللحاق بالشعوب التي سبقتها في هذا المضمار؟؟

محاولة لتفسير الظاهرة

يقول الدكتور ستور (أستاذ علم النفس):

"الإنسان هو كائن عدواني شرس نادراً ما يجادل في عدوانيته. وباستثناء بعض القوارض، لا توجد بين الفقريات الأخرى حيوانات اعتادت على تدمير أعضاء من جنسها أو نوعها ... إذ ينحصر التطرف في السلوك الوحشي للإنسان، وليس هناك ما يوازيه في الطبيعة، وليس لدينا العلاج لهذا السلوك الوحشي الذي يعامل البشر بعضهم بعضاً ... نحن أقسى وأكثر الأنواع قسوة من أي نوع مشى على الأرض، وفي أي وقت، وعلى الرغم من أننا قد نشمئز رعباً عندما نقرأ في صحيفة أو كتاب التاريخ من الفظائع التي ارتكبت من قبل الإنسان ضد الإنسان، إلا إننا نعلم في قلوبنا أن كل واحد منا يحمل في نفسه تلك النبضات الوحشية التي تؤدي إلى القتل والتعذيب والحرب .."

حقيقة أخرى عن الإنسان وسهولة تحويله إلى وحش في لحظة معينة هي أن الإنسان في الجمهور يفقد ذاته و فردانيته ويذوب في الجماهير، ويسلك ما تسلكه الجماهير بدون وعي منه ومهما كان ذلك السلوك وحشياً يدينه هو عندما يكون واعياً ولوحده. وهذه الظاهرة نجدها واضحة في لقطة الفيديو (أدناه) عندما هجمت جماهير غاضبة بعد إثارتها على بيت الشيخ حسن شحاتة في شمال مصر وقتلته مع عدد من أتباعه بمنتهى الوحشية. والجدير بالذكر أن تاريخ العراق حافل بأحداث مشابهة، وآخرها مقتل السيد عبد المجيد الخوئي في النجف وسحلهم ، والذي اتهم فيها مقتدى الصدر وأتباعه، ناهيك عن تفجيرات الإرهابيين المدعومة من قبل التكفيريين كأحداث يومية ضد الشعب العراقي. ومن كل ما تقدم، نعرف أنه ليس صعباً على من يمتلك الخبرة في سلوك الإنسان وعلم النفس الاجتماعي ، إثارة المشاعر العدوانية وتحويل الإنسان إلى وحش ضد أبناء جنسه. وقد بات معروفاً أن المشاعر الدينية والمذهبية هي من أقوى المشاعر لدى البشر يمكن تحويلها إلى طاقة تدميرية وخاصة لدى الشعوب العربية والإسلامية المتشربة بالثقافة البدوية وتناهض الحضارة والحداثة. وقد مرت الشعوب الأوربية بهذه المرحلة العصيبة قبل أربعة قرون.

من المستفيد من إشعال الفتن الطائفية؟

إن المستفيد الأكبر من الفتن الطائفية هم أعداء الديمقراطية وبالأخص الأسر الحاكمة في السعودية وقطر ورجال أعمال خليجيين أثرياء ومرتزقتهم، وكذلك النظام الإيراني. هؤلاء جميعاً يحاولون إشغال الشعوب بالصراعات الدموية لمنع وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبهم. وليس أسهل عليهم من إثارة المشاعر الطائفية وإشعال الحروب الأهلية ليقولوا لشعوبهم أن هذه الحروب هي النتاج المباشر للديمقراطية، ولذلك إبقاؤنا جاثمين على صدوركم أفضل من هذه الديمقراطية المصحوبة بالإرهاب!.

وقد استغل العامل الديني من قبل الأخوان المسلمين في مصر ضد المسيحيين الأقباط الذين عانوا الكثير من القتل والإضطهاد خلال الستين سنة الماضية. ومنذ تحرير العراق من الفاشية البعثية، بدأت مشايخ الوهابية والإسلام السياسي السني بإصدار الفتاوى التكفيرية وحث الشباب بالتوجه إلى العراق للجهاد ضد الشيعة الروافض وإنقاذ أخوتهم أهل السنة. وتدريجياً، و بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، توسعت هذه الحملة عبر الفضائيات والإنترنت لتشمل الشيعة في كل مكان، في البحرين ومصر والكويت وغيرها. وفي هذا الخصوص يقول مقدم البرنامج: "فالحرية الجديدة خلقت مساحة واسعة لقيادات ومذيعين جدد ذوو خلفيات دينية أصبحوا بين نجوم الإعلام الجديد. ولكن هناك جانب مظلم لنجوميتهم هذه، فبعض الرسائل التي يتم بثها لمنطقة الشرق الأوسط من قبل قنوات سنيّة أو شيعيّة، اليوم طائفية بشكل علني، بل استفزازية للغاية ومسيئة دون شك."

وقد بات من المؤكد أن القنوات السنية والشيعية التي تنشر العداوة والبغضاء هي مدعومة من مصدر واحد، ومن نفس الحكومات والجهات، ولغاية واحدة وهي إغراق الشعوب العربية والإسلامية في حروب طائفية لا تبقي ولا تذر.

إن الحكومات والشخصيات التي تدعم هذه القنوات تحفر قبورها بأيديها، ويجب أن لا تتصور أن بإشعالها الحرائق الطائفية في العراق وسوريا ومصر هي بمنجى عنها، فلا بد وأن تصلهم هذه الحرائق يوماً، إن عاجلاً أم آجلاً، وليتعلموا الدرس من نظام بشار الأسد الذي كان يستقبل الإرهابيين من السعودية وغيرها ويبعثهم إلى العراق لقتل شعبه. فهاهو بشار الأسد يحصد ما زرع. لذلك ننصح هؤلاء جميعاً بإغلاق قنوات الشر، وإلا سيدفعون الثمن يوماً.

إن حرية بث الكراهية والفتن الطائفية ليست من حرية التعبير، بل هي حرية التدمير. إذ كما قال المفكر الليبرالي السعودي السجين تركي الحمد: "الحرية والمسؤولية وجهان لحقيقة واحدة، رغم تعارضهما الظاهري. فالمسؤولية دون حرية هي الرق بعينه، كما ان الحرية دون مسؤولية هي الفوضى بذاتها."