دبي مدينة يتفيأ بظلها أصحاب الديانات المختلفة

دبي لؤلؤة جمعت ما بين سحر الشرق وعبقه وحضارة الغرب وتقدمه، استطاعت أن تحتل مركزا مرموقا عالميا تتسابق إليها كبرى شركات العالم في مجالي التجارة والمال. إنها قصة نجاح متعددة الفصول والألوان، هي حلم جميل وإنجاز رائع. فما من زائر يحمله قدره يوما إلى هناك، إلا ويدهشه رونقها وإيقاع الحياة فيها. فهي بحق، جسر للتواصل بين الشرق والغرب ومقصد للزائرين من كل الأجناس والأقطار دون نظر لدين أو معتقد.

لا تقتصر مكامن الجمال فيها على نمط عماراتها وارتفاع أبراجها التي تطال عنان السماء، بل هناك جانب قلّما الحديث عنه، جانب يزيد هذه العروس زينة وبهاء، ألا وهو التسامح الديني إزاء الديانات الأخرى. ففي هذا الإطار، يمارس المسيحيون عباداتهم وطقوسهم بكل حرية دون مضايقة. وقد عبّر عن ذلك الأب الفرانسيسكاني الهندي الأصل بيتر بالقول "المسلمون في دبي متسامحون" وكذلك الأمر نفسه على المستوى الرسمي للدولة حيث "يكن شيوخ الأمارة الكثير من الاحترام لنا"، كما عبّر عن ذلك الأب بيتر.

حرية العبادة

تتجلى مظاهر هذه الحرية بإنشاء كنسية سانتا ماريا التي تأسست عام 1976، حيث تبرع آنذاك الشيخ راشد بن سعيد بقطعة الأرض لتقام الكنيسة عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه يوجد في الإمارات العربية المتحدة أكثر من عشرين كنيسة، تمّ بناؤها على أراض ممنوحة من قبل العائلات الحاكمة للإمارات. تقام الصلوات في كنسية سانتا ماريا كل يوم أحد بلغات مختلفة منها العربية والإنجليزية والملاوية ولغة أهل التاميل. ولا يقتصر الأمر على أداء الصلوات، بل تقام فيها القدّاسات الخاصة مثل أعياد الفصح والميلاد المجيدة. هذا التنوع الديني ووجود العديد من الجنسيات من الشرق والغرب، من الهند وأوروبا يضفي على المدينة رونقا خاصا في لوحة فسيفسائية تتداخل ألوانها وخيوطها بين حضارات وتجارب ثقافية مختلفة.

معابد للهندوس والسيخ

ومما يزيد من التسامح في مدينة دبي، وجود معابد خاصة للهنود والسيخ في مشهد عزّ نظيره في البلدان العربية الأخرى. يوجد مرفقان للجالية الهندوسية الكبيرة مخصصة لحرق جثث الموتى ومقابرها المرتبطة بها في كل من أبوظبي ودبي. ومن جهة أخرى، لم ينحصر وجود الكنيسة في دبي على ممارسة الطقوس الدينية، بل تقوم أيضا برسالة تعليمية من خلال مدرسة خاصة بها تضم حوالي 3000 طالب وطالبة يتلقون فيها العلوم المختلفة. وهذه المدرسة تتمتع بسمعة عالية في دبي بحكم الطاقم التدريسي وطرق التعليم الموظفة فيها. وفي سياق آخر، يرى الأب بيتر أنّ الذين يترددون على الصلوات في الكنيسة هم جيل من الشباب، حيث يتلقون أيضا فصولا خاصة في الكتاب المقدس للتعرف على الحياة الدينية المسيحية. وقي سياق متصل، تـأوي أربع إمارات مدارس أبرشية ومسيحية للتعليم الأساسي والثانوي. وقد قامت إماراتا أبوظبي ودبي بمنح أراض لمقابر مسيحية ومنحت إمارة أبوظبي أرضاً لمقبرة تخص البهائية. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ أكثر من 80 بالمائة من سكان الإمارة هم من الأجانب، منهم حوالي 10 بالمائة يدينون بالمسيحية.

الأب بيتر:"هذه هدية من الرب"

التسامح الديني يشكل مكونا ثقافيا رئيسا لدبي شعبا وحكومة. وكذلك تحظى النشاطات المختلفة للكنيسة برعاية إعلامية جيدة وتغطية صحافية متميزة من خلال متابعة النشاطات والتعريف بها مما يساهم في تعزيز التعاون ببين الكنيسة والمجتمع المحلي، ليشكل بذلك رافعة مهمة من روافع التواصل وبناء جسور التواصل الحضاري والديني. وعبّر الأب بيتر عن هذه الروح الأخوية التي تسود دبي وروح الاحترام المتبادل بالقول" هذه هدية من الرب ونحن لذلك شاكرون".