رشا حلوة: سنرتدي ما يحلو لنا في الخارج! – DW – 2017/6/28
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: سنرتدي ما يحلو لنا في الخارج!

رشا حلوة
٢٨ يونيو ٢٠١٧

في مقالها* على DW عربية تسلط المدونة والكاتبة الصحافية الفلسطينية رشا حلوة على حرية النساء في اختيار ملابسهن، وكيف أن الأمر يرتبط أيضاً بحرية المكان وهيمنة العقلية الذكورية التي غالباً ما تحمي المتحرشين.

https://p.dw.com/p/2fXny
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

في صيف 2016، كنّا نمشي أنا وصديقة وصديق آخر في شارع بمدينة نابلس، وإذ برجل يمرّ بجانبنا وينادي على صديقي – الرّجل - ليطلب منه أن يقول لنا نحن صديقاته النساء (لأنه – أي الرجل الغريب – لا يتكلم مع النساء في قضايا تخصهن طبعًا!)، بأنه لا يجوز أن نرتدي مثل هذه الثياب (لا أذكر ماذا كنّا نرتدي عندها، ولكن هذا غير مهم فعلًا). أنا وصديقتي سمعنا "طلب" الرجل الغريب، ولم نعطي فرصة لصديقنا أن يجيبه، فكنا قد أجبناه كما نشاء، مع كثير من الغضب، فتجمّع عندها من حولنا مجموعة من الناس الذين مرّوا بالشّارع أو كانوا بالقرب، قسم كبير منهم اعتذر عن حديث وفعل الرجل، وقسم آخر قال بأنه "مجنون.. هو هيك.. ما تهتموا"، الصّفة التي ينعت بها المجتمع في أحيان كثيرة المتحرشين أو كل من يحاول أن يفرض سلطته الذكوريّة على النساء في الفضاءات العديدة.

في حديث مع صديقة انتقلت إلى برلين مؤخرًا، قالت لي: "المشكلة في بلادنا ليست بما تختارينه من ملابس، سواء ارتديت فستانًا قصيرًا أو كنت محجبة، ففي غالب الأحيان ستسمعين كلامًا من الرجال، المشكلة بالنسبة لهم هو بكونك امرأة لا بما ترتدين. شخصيًا، لم يعد يهمني الأمر، حتى عندما عشت في الأردن ولبنان، بالنهاية قررت أن أفعل وأرتدي ما أشاء".

وعندما انتقلنا للحديث عن برلين، وعلاقة هذا المكان بحرية النساء وبحريتها كامرأة بأن ترتدي الملابس التي تختارها وترغب فيها: "ما الفرق بين الشّاب العربيّ والأوروبيّ مثلًا؟ لا أرى الكثير من الفرق، لا أعتقد أن العقليّة الذكوريّة تختلف، لكن الشّاب في أوروبا، في حال تحرش بامرأة لفظيًا أو جسديًا، سوف يعاقبه القانون والمجتمع كذلك. أما في بلادنا فلا من مجتمع ولا من قانون كي يعاقب الرجل المتحرش.. لذلك يفكر الرجل في أوروبا مرتين قبل أن يتحرش بامرأة".

جميعنا نعرف أن التحرش والعنف ضد النساء حاضر في كل مكان بالعالم، سواء تحدثنا عن داخل البيوت أو في الفضاءات العامّة، وسأربط القصّة الأولى بما ذكرته صديقتي التي تطرقت في حديثها إلى القانون. معظم النساء التي أعرفهن أو التقيت بهن في العالم أو سمعت عنهن، هن نساء قويات ومستقلات، اخترن ويخترن مسارات حياتهن ويمارسن حرياتهن الفرديّة، رغم كل الصّعوبات، الفكرة أحيانًا لا تكمن بهذا الجانب، إنما هي الخوف أن تواجه الفتاة أو المرأة وحدها حالة من التحرش أو العنف في الفضاء العامّ، بلا أي مساعدة أو دعم من المجتمع أو القانون، بل أحيانًا يحدث الأسوأ: يُشار بأصبع الاتهام إلى الفتاة، وهذا أحقر ما يكون.
قصّة الرجل في نابلس، تشبه قصص عديدة لرجال قرروا – لأسبابهم الذّكوريّة أو تلك التي ربطوها على هواهم بالدّين والعادات والتقاليد – بأن لديهم الحق لأن يقولوا لامرأة ماذا عليها أن تفعل أو ترتدي!

الكثير منّا شاهد فيديو الرجل الذي ضرب امرأة في حافلة بمدينة اسطنبول "لأنها ترتدي سروالًا قصيرًا"، قصص كثيرة كهذه تحدث في العالم بلا توثيق بصريّ لها وبلا أي إدانة للمعتدي. وفقًا لحديثها، فمنذ ركوبها الحافلة، بدأ الرجل بالتهجم عليها لفظيًا متحدثًا عن ثيابها، فقامت هي بالتجاهل ووضع السماعات في أذنها، إلا أنه قام فيما بعد وضربها بيده على وجهها. وهي جالسة، وبعد أن وقفت لتدافع عن نفسها، دفعها وأسقطها أرضًا. كل هذا وسط صمت ولا مبالاة من اللذين يجلسون في الحافلة، إلّا بعد خروج الشاب المعتدي منها.

وهذا ما يؤلم القلب أكثر: صمت الناس تجاه العنف ضد النساء وقتلهن. في هذه القصّة، قام القانون التركيّ باعتقال الرجل المعتدي، الذي قال في ادعائه بأنه "أُثير جنسيًا"، بسبب سروالها. وربما هذا كلّ ما في الأمر: بعض الرجال في العالم لا يرون في المرأة إلّا جسدًا للإثارة الجنسيّة ولإشباع رغباتهم، وكذلك كيانًا لفرض السّلطة والقوة عليه. وبإمكان أن تحضر هذه المعادلة بأشكال مختلفة، سواء في التحرش والعنف في الفضاءات العامّة أو الخاصّة أو حتى بالعلاقات العاطفيّة والعائليّة، وما إلى ذلك.

لا أدعي اليوم بأن حياة النساء في برلين، المدينة التي انتقلت إليها مؤخرًا، أو أوروبا بشكل عام هي أسهل بما يتعلق بحضورهن وحضورنا اليوم في الفضاء الخارجيّ. تراكمات كثيرة من الخوف والأسئلة تعيش داخلنا، تلك التي حملناها من بلادنا إلى بلاد أخرى اخترنا الحياة فيها أو فُرضت علينا بسبب الظّروف السّياسيّة. بإمكاننا أن نرتدي ما نشاء في شوارع وسط البلد بالقاهرة، أو في حيّ من أحياء عمّان أو تونس، أن نرتدي السراويل أو الفساتين القصيرة، تمامًا كما بإمكاننا أن نفعل ذلك في شوارع برلين وبرشلونة وباريس، بإمكاننا أن نفعل ما نشاء وما يحلو لنا، إلّا أن هنالك يقين موجع بأنه في حال حدوث أي حالة تحرش أو عنف، هنالك أماكن سنكون فيها وحدنا، لأننا جميعنا، نساء ورجال وحدنا والقانون ضدنا، وهنالك أماكن، سيقف القانون بجانبنا كنساء.

لكننا، في كل الأحوال، سنبقى وحدنا، رغم ذلك سوف "نرتدي ما يحلو لنا في الخارج.. ولن نتخلى عن حرياتنا، كما ذُكر في أحد بيانات المؤسسات الحقوقيّة والنسويّة التركيّة التي احتجت على إفراج الأمن التركيّ عن الرجل المعتدي على الفتاة في اسطنبول، وأضيف في البيان: "الإفراج عن المعتدي هو تهديد لجميع النساء".

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.

الكاتبة: رشا حلوة