علاء الأسواني: ادعم سامي عنان من شرفة بيتك! – DW – 2018/1/23
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: ادعم سامي عنان من شرفة بيتك!

علاء الأسواني
٢٣ يناير ٢٠١٨

في هذا المقال** يتحدث علاء الأسواني عن ترشح سامي عنان للرئاسة واعتقاله.

https://p.dw.com/p/2rIKj
Kolumnisten Al-Aswani

ماذا يحدث لو تظاهر ملايين المصريين واعتصموا في الشوارع وأعلنوا أنهم يفضلون الموت على الإذعان للديكتاتور..؟ عندئذ قطعا ستتحقق الديمقراطية لقد استطاع المصريون من قبل بهذه الطريقة عزل حسني مبارك بعد أن تغلبوا على آلته القمعية الجبارة في 18 يوما فقط. لماذا يذعن المصريون لاستبداد السيسي إذن؟

قد يقول قائل إنهم خائفون من القمع، خائفون من الحبس وتلفيق القضايا والتعذيب والقتل. الحقيقة أنه لم يستطع نظام قمعي في التاريخ أن ينتصر على إرادة شعب إذا قرر انتزاع حريته. ما الذي يمنع المصريين من المطالبة بحقوقهم إذن..؟ ربما تكون الثقافة الدينية الوهابية التي انتشرت بأموال النفط لأنها تفرض على المسلم الطاعة المطلقة للحاكم حتى لو سرق الشعب وظلمه.. ربما طول عهد المصريين بالاستبداد جعل كثيرين منهم يألفونه ويتعايشون معه. إن الحكم العسكري القمعي الذي استولى على السلطة في مصر منذ عام 1952 قد أدى إلى ظهور نوع من المصريين أسميه "المواطن المستقر ". إنه مواطن منعدم الاهتمام بالسياسة، همه الوحيد أكل العيش وتربية العيال، يفضل الاستقرار مع الظلم على خوض معركة الحرية إذا كانت ستؤدى إلى مشاكل وقلاقل. المواطن المستقر هو أحد التشوهات الذهنية والنفسية التي حدثت في كل الشعوب التي تعرضت للاستبداد لفترات طويلة.

المواطن  المستقر هو الذي استقبل السيسي بالرقص والهتاف منذ أربع سنوات لكنه الآن فقد حماسه له، إنه لا يكره استبداد السيسي في حد ذاته لكنه ناقم على حكم السيسي بسبب الغلاء الفاحش فقط، ومع ذلك فإن المواطن المستقر لازال متقبلا لحكم السيسي لأنه في نظره يحقق الاستقرار. من هنا تقبل المواطن المستقر مسرحية الانتخابات الهزلية التي أعدها نظام السيسي ولعله وقع مرغما أو طائعا استمارة حملة دعم السيسي. لم ينزعج المواطن المستقر من حملة الطبل والزمر للسيسي التي اشترك فيها لاعبو الكرة ونجوم السينما والسياسيون. المواطن المستقر لا ينزعج من النفاق وهو كثيرا ما يمارسه إذا كان سيحقق مصلحته.

فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان فقد أعلن سامي عنان قائد أركان الجيش المصري المتقاعد ترشحه للرئاسة ومعه نائبان مدنيان. ظن كثيرون أن ترشح عنان مجرد مسرحية أعدتها المخابرات حتى تمنح شكلا تنافسيا للانتخابات التي يعرف العالم كله أنها مزيفة وخائبة لكن السلطات سرعان ما قبضت على عنان وأحالته للمحاكمة الأمر الذي يرجح أن هناك صراعا بين أجنحة السلطة. الغريب أن خطاب الترشح الذي ألقاه عنان تحدث عن ضرورة الإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان مع أن سامي عنان كان من أعمدة نظام الديكتاتور مبارك كقائد لأركان الجيش منذ عام 2005 واستمر في منصبه بعد سقوط مبارك وهو مسئول مع أعضاء المجلس العسكري (بمن فيهم السيسي) عن مقتل المتظاهرين السلميين في مذابح عديدة بدءا من مذبحة ماسبيرو ومذبحة محمد محمود ومذبحة مجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد ومذبحة العباسية وغيرها.

من الغريب أن يتمتع عنان بهذا الاحساس الديمقراطي المرهف الآن بينما لم يشعر به قط وقواته تقتل المتظاهرين السلميين والأغرب حماس الإخوان المسلمين لترشح عنان (قبل القبض عليه) ومحاولتهم لتبرئته من مذابح تمت بأوامره المباشرة. موقف آخر يجسد انتهازية الإخوان واستعدادهم الكامل لتوصيل دعمهم إلى مخدع الديكتاتور كما فعلوا مع كل حكام مصر بدءا من الملك فؤاد وحتى المشير طنطاوي بلا استثناء واحد.

كل ما يقرب الإخوان من السلطة حلال شرعا عند قادتهم مهما كذبوا ونقضوا العهد وتسببوا في قتل الآخرين. لقد تحالفوا مبكرا مع المجلس العسكري ضد الثورة ودافعوا عن المذابح التي قام بها ومقابل ذلك أوصلهم المجلس العسكري للسلطة قبل أن ينقلب عليهم. كما أن الذين ماتوا خلال المذابح - المسئول عنها عنان - من شباب الثورة العلمانيين وهم في نظر الإخوان ليسوا مثلهم، أذ انهم - كما يقولون - جماعة ربانية اختارها الله بنفسه لتطبيق حكمه في خلق الله جميعا.

على أن موضوع ترشيح عنان ثم القبض عليه كشف أيضا عن تقاعس المواطن المستقر عن أداء واجبه فهو يريد التغيير بسبب صعوبة الحياة لكنه غير مستعد لدفع أي ثمن للتغيير . لم يدفع أحد ثمن التغيير في مصر إلا شباب الثورة الذين ضحوا بأرواحهم وعيونهم وحريتهم من أجل حريتنا وكرامتنا. هؤلاء أنبل من أنجبت مصر. أما المواطن المستقر فقد جلس في شرفة بيته يشجع عنان ضد السيسي ولما قبضوا على عنان لاذ المواطن المستقر بالصمت البليغ.

مثل هذا المشهد وصفه المؤرخون في العصور القديمة عندما كان بعض أهل القاهرة يرقبون - من مخبأ آمن - صراعا طاحنا بين اثنين من المماليك وفي اللحظة التي يتغلب فيها مملوك على الآخر يبرز الناس ليهنئوا المنتصر بحرارة. لقد قامت الثورة دفاعا عن حقوق المواطن المستقر لكنه للأسف خذل الثورة وها هو الآن يدعو الله حتى يسلط ظالما على ظالم آخر. إنه لا يدرك أن مشكلة مصر لا تكمن أبدا في شخص الحاكم، وإنما في طريقة الحكم. السيسي وعنان وطنطاوي ومبارك وشفيق كلهم نسخ مختلفة لأصل واحد. لا يمكن أن نتخلص من ديكتاتور عسكري بدعم ديكتاتور آخر، إذ أنهما فقط يتصارعان على السلطة.

إن المسئول عن قتل المتظاهرين ودهسهم بالمدرعات لا يمكن أن ننتظر منه إصلاحا ديمقراطيا.  عندما يغادر المواطن المستقر الشرفة ويتخلى عن خوفه ويناضل بنفسه لينتزع حقوقه. عندئذ فقط يبدأ المستقبل.

الديمقراطية هي الحل  

[email protected]

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

** وجهة نظر أخرى: عماد الدين حسين: هل تجاوز عنان الخطوط الحمراء؟