مركز توثيق جرائم النازية في مدينة كولونيا يثير فضول السياح والطلاب

بعد مرور أكثر من 65 عاما على إغلاقه ما يزال المقر السابق للشرطة السرية للنظام النازي في ألمانيا يثير فضول واهتمام قطاعات واسعة من الجمهور الألماني والسياح الأجانب. ويقصد الزوار بكثافة مركز التوثيق التاريخي لجرائم النازية بهدف اكتشاف المعطيات التاريخية الخاصة والوقائع السرية التي كانت تدور في هذا المبنى عندما كان مقرا للشرطة السرية في عهد النظام النازي.

وافتتح مركز توثيق جرائم النازية منذ 22 عاما ويعد حاليا من أهم المؤسسات الثقافية الألمانية التي تكشف جوانب حساسة من الحقبة النازية، ويزيد من جاذبية مركز التوثيق وجوده في مدينة كولونيا السياحية، ويقصده سنويا حوالي عشرة آلاف زائر.

أشهر مراكز الإعتقال النازية

كان المبنى الذي يشغله اليوم مركز التوثيق في مدينة كولونيا يستخدم في الفترة الزمنية ما بين عامي 1935 و 1945 كمركز رئيسي لجهاز الأمن السياسي أو الشرطة السرية للنظام النازي، المعروفة ب Gestapo. وكان هذا الموقع يستخدم كمركز اعتقال وشهد عمليات تعذيب وحتى إعدامات لعدد من الأشخاص بسبب خلفياتهم السياسية والعرقية.

واحتل هذا المركز أهمية كبيرة لدى النظام النازي لعدة أسباب في مقدمتها وجوده في مدينة كولونيا التي تحظى بأهمية تاريخية واستراتيجية في ألمانيا، إضافة إلى ارتفاع نسبة السكان فيها. فقد اُختير الموقع بشكل دقيق من قبل الشرطة السرية، قريبا من مركز المدينة بهدف السيطرة التامة عليها. وكان المسؤولون على المركز على اتصال مباشر بمعسكرات الإعتقال والسجون الرئيسية في المناطق التي كانت خاضعة للنفوذ النازي.

وصُمم المبنى بشكل يقيه الضربات الجوية وهو ما يؤكده ستانيسلاف شتراسبورغر، المرشد في المركز، في حوار مع دويتشه فيله قائلا أن"فكرة الحرب كانت حاضرة أثناء التشييد، بالرغم من أن البناء تم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أي قبل تولي هتلر زمام السلطة في ألمانيا. بينما كان تصميم القبو بهدف استخدامه كزنازين للسجناء".

ذكرى الضحايا على جدران الزنازين

ينتاب الزائر للوهلة الأولى شعور بالرهبة والحزن عند مشاهدة الزنازين، إذ يلاحظ على جدرانها آثارا ورموزا دالة على المعاناة التي كان يعيشها النزلاء، فعلى جدران الزنانزين يقرأ المرء كتابات السجناء تبين عدد الأيام التي قضوها في السجن.

وفي رده على سؤال حول عدد السجناء الذين كانوا في المركز قال شتراسبورغر " لم يتمكن أحد معرفة عدد السجناء وذلك لأن الضباط تمكنوا من إتلاف جميع السجلات قبل سقوط المدينة بأيدي الحلفاء، لذا بقيت أكثر المعلومات طي الكتمان" وأضاف أن الوثائق تفيد بأن "الضباط والحراس الذين كانوا في السجن لاذوا بالهرب عندما سيطرت قوات الحلفاء على المدينة، ولم يبد أحد من أهالي المدينة الرغبة الكافية في المساعدة في إعطاء المعلومات من أجل إلقاء القبض عليهم، خصوصاً أن معظم أعضاء المركز كانوا من سكان كولونيا". واستطرد شتراسبورغر قائلاً " لم يستثن المركز فئة معينة، حيث كان له عملاء ومحللون يزودونه بالمعلومات بين الفينة والأخرى عن المشتبه في ولائهم لنظام".

نوافذ المعتقل تطل على الشارع!

ويلفت نظر زائر مركز الإعتقال السابق صغرُ حجم زنازينه والتي صُممت لإستيعاب شخصين فقط، إلا أن النازيين كانوا يزجون ب15 شخص على الأقل في كل زنزانة. والمثير أن النوافذ تطل على الشارع بدون أي عازل، مما يمكن المارة من مشاهدة السجناء أو حتى رؤيتهم أثناء عملية التعذيب. ويؤكد شتراسبورغر، في هذا الصدد " لقد أراد النازيون أن يجعلوهم عبرة لغيرهم لذا تركوا النوافذ تطل مباشرة على الشارع، إلا أن الشرطة السرية أرادت أيضا بذلك أن تمعن في التعذيب وذلك بتعريضهم لبرد الشتاء القاسي".

وفي ما يخص الخدمات الصحية، فلا يوجد سوى حمام واحد، لم يُسمح باستخدامه إلا مرتين كل 24 ساعة. ويوجد في القبو أيضاً غرف خاصة للتعذيب وأخرى للإعدام. وقد تم تحصين بناية المعتقل بحيث تكون عصية ضد أي محاولة هروب من قبل السجناء، ولذلك فقد باءت كل محاولات الهروب بالفشل عدا واحدة قام بها سجين أوكراني، أُستقدم إلى ألمانيا كعامل سخرة، وحدث ذلك قبل نهاية الحرب بأيام قليلة، حيث تمكن من التخفي حتى سقوط المدينة على أيدي الحلفاء. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من العمال، استُقدموا عنوة من الدول المجاورة للعمل في ألمانيا، قضى الكثير منهم نحبهم في السجن.

إقبال السياح والطلاب على مركز التوثيق

لم تبد الحكومات الألمانية السابقة اهتماما كافياً بالمركز بعد الحرب حتى عام 1988 عندما تم تحويله إلى متحف ومركز لتوثيق حقبة الحكم النازي، وذلك لتعريف الناس بوحشية النظام النازي ولتخليد ضحاياه.

ويقع المركز في ساحة آبلهوف في وسط مدينة كولونيا ويستقبل يوميا الطلاب والباحثين في مجال التاريخ، إذ تعد الوثائق والمكتبة الموجودة فيه مادة غنية لهم، ونظرا لتزايد الطلب على خدمات المركز فقد تم بناء طابق إضافي للبناية. ويعد المركز أحد أهم المواقع السياحية في كولونيا، ويجتذب زوارا من داخل ألمانيا وخارجها، ويقدر عددهم سنويا بعشرة آلاف شخص.

الكاتب: محمد السراي

مراجعة: منصف السليمي