هاييتي والدومينكان - جزيرة واحدة وعالمان – DW – 2013/2/16
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هاييتي والدومينكان - جزيرة واحدة وعالمان

آنا آلميلينغ/ نهلة طاهر١٦ فبراير ٢٠١٣

بالرغم من تقاسمهما الموقع على الجزيرة نفسها، إلا أن الوضع في جمهورية الدومينيكان يختلف عنه في هاييتي.فالدومينيكان تمثل من أكثر البلدان جذبا للسياح في منطقة البحر الكاريبي. أما هاييتي فهي من أفقر البلدان في العالم.

https://p.dw.com/p/17bDn
صورة من: NASA / CC0

للوهلة الأولى تبدو جمهورية الدومينيكان كجنة بنخيلها وشواطئها الرملية التي تمتد لكيلومترات، وأيضا ببحرها الأزرق المتوهج. ويأتي الملايين إلى هذا البلد سنويا لقضاء عطلاتهم فيه. جمال الطبيعة والفنادق الفخمة تخفي حقيقة أن جمهورية الدومينيكان هي من بين الدول الأقل ازدهارا في أمريكا اللاتينية، وعبر حدودها مباشرة، تقع هايتي، أحد أفقر البلدان في العالم الغربي.

وعلى الرغم من أن هايتي وجمهورية الدومينيكان تتقاسمان موقعهما على جزيرة واحدة، إلا أن هناك تفاوتا كبيرا بينهما، ويضرب هاينتس أولريس الخبير في شؤون أمريكا اللاتينية بمنظمة الإغاثة الكاثوليكية "ميسيريور Misereor " مثالا على ذلك، على مستوى البنية التحتية. ففي جمهورية الدومينيكان هناك طرق سريعة معقولة، بحيث يمكن السفر من مكان إلى آخر دون مشاكل تذكر. أما في هايتي- والحديث للخبير أولريس يمكن أن يستغرق قطع كيلومترات قليلة ساعات عديدة.
الصورة لا تختلف كثيرا في عدد من المجالات الأخرى، ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة فإن حوالي نصف سكان هايتي فقط يستطيعون الكتابة والقراءة. أما في الدومينكان المجاورة، فتبلغ نسبة الأمية 90 في المئة. ومن ناحية أخرى تصل معدلات وفيات الرضع في هايتي إلى حوالي ثلاثة أضعاف المعدل في جمهورية الدومينيكان.

يزور جمهورية الدومينيكان حوالي أربعة ملايين سائح سنويا
يزور جمهورية الدومينيكان حوالي أربعة ملايين سائح سنوياصورة من: Ronald Saunders / CC BY-SA 2.0

التغير المناخي يؤثر على هايتي بشكل أعمق

هذه الاختلافات الكبيرة تنعكس أيضا بشكل مباشر على مدى تأثر البلدين بظاهرة التغير المناخي، وكذلك في تعاملهما مع العواقب المترتبة على تلك الظاهرة. إن اتساع المنطقة الساحلية وتشكيلها لنسبة كبيرة من مساحة البلاد، يعد من العوامل التي تجعل هايتي عرضة بوجه خاص للأعاصير ، ونظرا إلى أن جميع المدن الرئيسية تقع على ساحل البحر، فإن الفيضانات غالبا ما تترك أثرا مأساويا على البلاد. ويؤدي عدم كفاءة البنية التحتية إلى إعاقة وصول المساعدات الانسانية بسرعة إلى المناطق المتضررة من الفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية، كما حدث عقب الزلزال الذي ضرب البلاد مطلع عام 2010 وأسفر عن مقتل 220 ألف شخص.

حوالي ثلثي سكان هايتي يعيشون من الزراعة
حوالي ثلثي سكان هايتي يعيشون من الزراعةصورة من: Alex E. Proimos / CC BY 2.0

ونظرا لعدم توفر إمدادات الطاقة بشكل منتظم في أي مدينة من مدن هاييتي، فإن معظم السكان يعتمدون على الأخشاب كمصدر رئيسي للطاقة، وهذا أحد الأسباب التي تعرض الغابات إلى القطع الجائر وبالتالي إلى التدمير. وتتسبب قمم الجبال العارية من الغطاء النباتي في جرف الامطار الغزيرة للتربة، وهو الأمر الذي يترتب عليه تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، فعلى العكس من جمهورية الدومينيكان، تتميز هاييتي بالكثافة السكانية العالية ومعظم مناطقها ريفية الطابع. وللحفاظ على التربة، يكتسب الغطاء النباتي الكثيف أهمية خاصة، كما يقول هاينتس أولريس. ولتحقيق ذلك يمكن على سبيل المثال الجمع بين الحفاظ على الغابات وإنتاج الغذاء، وذلك بدلا استغلال مساحات واسعة لزراعة الحبوب، وهذا سيفتح المجال أمام انتاج الفواكه الاستوائية كالموز والمنيهوت والأفوكادو، والتي تنمو بشكل جيد في المناطق المدارية.


تاريخ استعماري مختلف
ولكن ما هو السر وراء تطور الدولتين الجارتين الواقعتين على الجزيرة نفسها بهذا الشكل الشديد الاختلاف؟ الأسباب ترتبط أساسا بالماضي، حيث كان كامل جزيرة هيسبانيولا Hispaniola على مدى سنوات طويلة تحت الحكم الإسباني. وفي عام 1697تخلت إسبانيا عن الثلث الغربي لفرنسا، وتطورت المنطقة المسماة بـ "سانت دومينيك" لتصبح أغنى مستعمرة فرنسية. تم جلب مئات الآلاف من العبيد الأفارقة من أجل إنتاج والسكر والكاكاو والبن والقطن، وبعد فترة وجيزة تم إلغاء الرق هناك. وشهد عام 1791 تمرد الرقيق وأعقب ذلك حرب تحرير مريرة إلى أن تم عام 1804 إعلان استقلال الدولة التي كانت تسمى بسانت دومينيك، وأصبحت منذ ذلك الحين تسمى بهاييتي.

غالبية الناس في هايتي يعيشون في المستوطنات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد
غالبية الناس في هايتي يعيشون في المستوطنات المنتشرة في جميع أنحاء البلادصورة من: newbeatphoto / CC BY 2.0

ولكن المستعمرة السابقة تعاني من مشاكل، فقد تم تقسيم الأراضي ذات المساحات الكبيرة بين السكان، وحصل كل مواطن تقريبا في هايتي على مساحة من الأرض، ولكن عددا قليلا للغاية من السكان استطاع أن يؤمن عيشه من ريع الأرض. فمساحات الحقول كانت صغيرة جدا بحيث تعذر على الملاك الجدد إدارتها إلا بشكل مشترك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدد سكان هايتي لا يزال بعيدا عن متجانسة "وجاء من جماعات العبيد أكثر من مائة عرقية مختلفة، وكان في الأصل لا علاقة مع بعضها البعض"، ويقول أوليفر غليش هايتي الخبير في معهد أمريكا اللاتينية التابع لجامعة برلين الحرة "لديهم خبرة عقود التي تمارس على السلطة بالقوة والشرعية لا عجب، إذن، أن في الفوضى الدامية من حرب أعلن التمرد والانقلابات القرن تليها، انقلاب، والملوك المستبدين نفسه، الذي تولى يتحول بسرعة هذا النمط تستمر حتى اليوم

ولم يتمكن هؤلاء الملاك الجدد من التوصل بيسر إلى اتفاق الكيفية الأنسب لفلاحة الأرض. يضاف إلى ذلك سكان هاييتي ينتمون إلى مجموعات عرقية مختلفة، وكما يقول أوليفر غليش الخبير في معهد أمريكا اللاتينية التابع لجامعة برلين الحرة، فإن "جماعات العبيد السابقين ينحدرون من أكثر من مئة مجموعة عرقية، ولا تربطها بينها علاقة في الأصل، ولديهم بخلاف ذلك تجارب امتدت لعقود بأن ممارسة السلطة تتم بالقوة وتستمد الشرعية أيضا عبر ذلك. لذا لا عجب، إذن في الفوضى الدامية التي أعقبت الحرب التي نشبت في القرن التاسع عشر، وكذلك في العدد الكبير لحركات التمرد والانقلابات التي شهدتها البلاد التي تسير على نفس المنوال حتى اليوم.

على الحدود بين هايتي والدومنيكان
على الحدود بين هايتي والدومنيكانصورة من: Alex E. Proimos / CC BY 2.0

الغطاء النباتي هو المفتاح لآفاق جديدة
وبعد أن استخرج الاسبان الكثير من المواد الخام في الجزء الذي كان تحت سيطرتهم، والذي يمثل ثلثي مساحة الجزيرة، انتقل معظم المستوطنين إلى المكسيك. وفي مستعمرة سانتو دومينغو، التي أصبحت لاحقا جمهورية الدومينيكان، كان الاعتماد هناك تقريبا على تربية الماشية فقط، وتطورت هناك مجموعة سكانية متجانسة تتكون من ذوي الصول الإسبانية وطبقة صغيرة جدا من العبيد السابقين، كما يقول أوليفر غليش وهو يعتبر وجود عدد أقل من الأعراق المختلفة هناك، كسبب وراء استقرار جمهورية الدومينيكان اقتصاديا وسياسيا رغم نيلها استقلالها بعد جارتها هاييتي. وعلى الرغم من أن الدومنيكان شهدت أيضا حربا أهلية وأنظمة حكم استبدادية، إلا أن نجحت في السنوات الماضية من بناء نظام ديمقراطي معقول، ووانعكس ذلك الاستقرار على غزدهار قطاع السياحة التي اضحت احد الموارد الرئيسية التي تعتمد عليها البلاد.
لكن هاييتي بعيدة كل البعد عن تحقيق وضع مماثل، وهنا يمكن لمشاريع إعادة التشجير أن تمثل خطوة ملموسة لمساعدة السكان في ذلك البلد الذي يعاني من أزمة طاحنة، في تحسين ظروف حياتهم المعيشية. هذا وتساهم المناطق المشجرة أيضا في منع الانهيارات الأرضية الناجمة عن الفيضانات والعواصف التي أصبحت تحدث في المنطقة بشكل متكرر أكثر من السابق بسبب التغير المناخي. وخلال السنوات الماضية حظي الغطاء المناخي في جمهورية الدومينيكان باهتمام اكبر، ونسبة إلى أن الظروف المعيشية هناك تحسنت بشكل ملحوظ، فإن الكثير من الهايتيين يحاولون السفر للبحث عن عمل في جمهورية الدومينيكان، فهي تمثل جنة من وجهة نظر العديد من الهايتيين، رغم أنها لا تعد من البلدان الغنية في أمريكا اللاتينية.