الانسحاب الإسرائيلي من غزة: مخاض عسير وسيناريوهات متشابكة

وافقت الحكومة الإسرائيلية أمس الأحد على خطة المرحلة الأولى من الانسحاب من قطاع غزة بأغلبية 17 صوتا مقابل رفض خمسة أصوات. وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مجلس الوزراء أعطى موافقته النهائية على إجلاء المجموعة الأولى من المستوطنين من قطاع غزة. وتشمل المرحلة الأولى من الانسحاب تفكيك ثلاث مستوطنات معزولة هي نتساريم وكفار داروم وموراج التي تعد جيوب معزولة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون قد قال للوزراء في بداية اجتماع حكومته لإقرار الانسحاب:"سنتخذ القرارات اللازمة لتنفيذ الانسحاب الذي سيبدأ في 15 أغسطس والذي سيتم تنفيذه كاملا".

استقالة نتنياهو الاحتجاجية

وفي سياق متصل قدم وزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استقالته من حكومة شارون احتجاجا على خطة الانسحاب من قطاع غزة، وذلك قبيل انعقاد جلسة الحكومة لإقرار خطة الانسحاب. وقال نتنياهو، الخصم اللدود لشارون، في خطاب الاستقالة إن "الانسحاب من طرف واحد دون أي شيء في المقابل ليس هو الطريق السليم" مضيفا بأنه لا يمكنه أن يكون جزءا من هذه الخطوة "غير المسؤولة التي تقسم الشعب وتضر بأمن إسرائيل وتمثل خطرا مستقبليا على وحدة القدس". وكان نتنياهو يعارض منذ وقت طويل خطة شارون للانسحاب من غزة وقد أكد مسبقا انه سيصوت ضد عملية الانسحاب حتى في المرحلة الأولى.غير أن حكومة اريل شارون استطاعت أن تتجاوز أزمة استقالة نتنياهو التي هزت الأسواق المحلية بتعيين ايهود اولمرت خليفة له متفادية بذلك الآثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي. وقد أعلن مسؤول مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن استقالة نتنياهو "لن يكون لها أي تأثير على تطبيق خطة فك الارتباط" كما "لن يكون لها اثر أيضا على الصعيد الاقتصادي" لان خلفه سيتابع بشكل أساسي الاستراتيجية نفسها حسب تعبير المسؤول الإسرائيلي.

وكانت الصحف الإسرائيلية قد انتقدت بشكل عام الاستقالة المفاجئة لوزير المالية الإسرائيلي. واعتبرت غالبية المعلقين أن هذه الاستقالة المتأخرة من سياسي كان معارضا على الدوام لخطة فك الارتباط تعكس قبل كل شيء الطموحات السياسية لنتنياهو الذي يعد ابرز منافس لشارون ضمن حزب الليكود. وقد لقيت استقالة نتنياهو ترحيبا من اليمين المتطرف الذي اعتبرها بداية لاستقالات من شانها عرقلة الانسحاب من غرة. كما عبر اليسار الإسرائيلي عن ارتياحه بالتخلص من أكبر مناهضي خطة فك الارتباط. ويرى بعض من المحللين أن استقالة نتنياهو، المنافس الرئيسي لشارون على زعامة حزب ليكود، قد تكون البداية لانقسامات في حزب الليكود.

دعم شعبي وحزبي لخطة شارون

هذا وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض الصحف الإسرائيلية أن خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة لا تزال تحظى بشكل عام بتأييد شعبي إسرائيلي عموما، ومن حزب ليكود الذي ينتمي له شارون بصفة خاصة، رغم أن استقالة نتنياهو قد أدت إلى انخفاض طفيف في التأييد الشعبي لخطة شارون. وقد اظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة بديعوت احرونوت أن 55% من الإسرائيليين لا يزالون يؤيدون خطة الانسحاب فيما عارضها 39%، بينما لم يحسم 6% من المشاركين رأيهم. كما اظهر استطلاع أخر أجرته صحيفة معار يف لأراء ناخبي حزب ليكود أن 51% يرون شارون هو مرشحهم المفضل لرئاسة الحكومة في الانتخابات المتوقعة العام المقبل. ويعارض اليمين الإسرائيلي خطة الانسحاب باعتباره في رأيهم تخلي عن حق ديني في الأرض لكن أغلبية الإسرائيليين يؤيدون التخلي عن مستوطنات غزة التي يبلغ عددها 21 مستوطنة ويعيش فيها حوالي 85000 إسرائيلي.

سيناريوهات محتملة

يعتقد المراقبون أن عملية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة قد تواكبها إعمال عنف أو تجاوزات مما جعل الحكومة الإسرائيلية تتخذ الاحتياطيات اللازمة، حيث سترافق عملية الانسحاب إجراءات أمنيه مشدده وسيتم نشر ما يقارب 55 ألف رجل من الجيش والشرطة يتولون إجلاء المستوطنين ويتدخلون عند الضرورة لمنع أعمال عنف. وهناك عدة سيناريوهات محتملة، قد يتسلل متطرفون إسرائيليون معرضون للانسحاب إلى غرة بغرض مقاومة الانسحاب، وقد تحدث مواجهات بين المستوطنين والقوات الإسرائيلية، أما السيناريو الثالث فهو احتمال أن تحدث اعتداءات على الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي أو على رئيس الوزراء الإسرائيلي أو مسؤولين آخرين. وهناك احتمال أن يشن الفلسطينيون هجمات انتحارية على القوات الإسرائيلية المنسحبة.

الموقف الفلسطيني

بتنفيذ قرار الانسحاب من غزة سيكون هو أول انسحاب من مستوطنات مقامة على ارض محتلة يريد الفلسطينيون إقامة دولة مستقلة عليها. وينظر الفلسطينيون إلى الانسحاب من غزة على انه " لا يعني نهاية الاحتلال" حسب تعبير وزير الخارجية الفلسطيني ناصر القدوة الذي حذر من أن إسرائيل تسعى إلى "المماطلة" من أجل عدم تنفيذ خارطة الطريق. ويضيف الوزير الفلسطيني بأنه لا يمكن الحديث عن سيادة فلسطينية كاملة بعد هذا الانسحاب لأن السيادة الحقيقية تتطلب السيطرة على الأجواء والحدود الخارجية مع العالم.

د. عبده جميل المخلافي